اشتُهر د. ه. لورنس برواياته، التي جعل الجنس فيها عنصراً رئيساً، واحتفت به الحداثة. لم يحقق شعره نفس الشهرة. ربما لأن الروايات حققت إنجازاً خاصاً، في حين بقي شعره متأرجحاً بين هواياته وحياته البهلوانية. ولكن شعره كان حاضراً منذ بدايات حركة “التصويرية Imagism”، ثم واصل دربه بعد تفككها. أعترف بأنني شعرتُ ببعض الملل عند قراءة مختارات من شعره، فالمحاولات ليست كلها ناجحة: الصنعة جلية في أكثر من مكان. كما أن تزايد ميوله اليمينية مع تقدمه في العمر، انعكست في شعره بطريقة مملة ومباشرة، لا تناسب تبجحه بحداثته الأدبية.
اخترتُ هنا بعض القصائد الشهيرة، من فترات مختلفة. القصائد الثلاث الأولى من المرحلة المبكرة. قصيدة رمان متأخرة، قبيل وفاته المبكرة. أما قصيدته عن الآلهة، فتعكس وجهاً خاصاً لرؤاه الأعمق عن البشرية.
أغنيةٌ قديمة
يتلاشى اليوم، يهبط الليل،
القلبُ متجمّدٌ، والروح محتضرة؛
ولكن القمر يشقّ دربه، مشرئباً
إلى أمورٍ أخرى تُركتْ مُضمَرة.
الحصان الأبيض
يمشي الشاب إلى الحصان، كي يسرّجه
فينظر الحصان إليه بصمتٍ.
يصمتان كلياً، في عالمٍ آخر.
قوس القزح
حتى قوس القزح له جسدٌ
مصنوعٌ من رذاذ المطر
وعمارته مشيّدةٌ
من ذرّات متلألئة
تتعالى، تتعالى
مع ذلك، لا يمكنك لمسه بيدك،
كلا، ولا حتى ببصيرتك.
كل أصناف الآلهة
يوجد كل أصناف الآلهة، كل صنف وجميع الأصناف،
وكل إله عرفته البشرية ما زال إلهاً اليوم،
الإفريقية العجيبة والإسكندنافية العجيبة،
الإغريقية الرائعة، والفينيقية البشعة، والأزتيكية الدميمة،
إلهات الحب، وإلهات القذارة، ملتهمات البراز وعذراوات النيلوفر،
يسوع، وبوذا، ويهوه ورع، مصر واليونان،
كل الآلهة، وستراهم لو نظرتَ، أحياءً ويتحركون اليوم،
وأحياءً ويتحركون غداً، كل غدٍ، كما الأيام الماضية.
أين تراهم، تسألني؟
ستراهم لمحاً، في وجوه الناس وهيئاتهم، لمحاً.
عندما يشرد الرجال والنساء، الصبيان والبنات،
في براءتهم، أي عندما يغيب كلياً الوعي بالذات،
إما غضباً أو رقةً، أو رغبةً أو شجناً أو تساؤلاً أو مجرد السكينة،
عندها قد ترى لمحات من الآلهة فيهم.
رمّان
أتقول لي إنني مخطئ؟
من أنت لتقول- ومن يحق له أن يقول لي إنني مخطئ؟
أنا لستُ مخطئاً.
في سيراقوزة، تُرِكت الصخرة عارية بخبث الإغريقيات،
لا شك أنك نسيت أشجار الرمان المزهرة،
آهٍ، حمراء تماماً، والكثير منها.
أما في البندقية،
المدينة الممقوتة، الخضراء، المراوغة،
وكلابها عجائز، بأعينٍ عتيقة،
في الدغل الكثيف في الحدائق الجوانية،
الرمان كأحجار خضراء لامعة،
ومحمية، محمية بأشواك التاج.
آه، تاجٌ من حديد أخضر شوكي
حقّاً ينمو!
الآن، في توسكاني،
رمان كي تدفئ يديك؛
وتيجانٌ، ملكيّة، سخيّة، متمايلة،
تعلو الحاجب الأيسر.
ولو كنت تجرؤ، الشقوق!
هل تعني أنك لا تريد أن ترى الثلم؟
أتفضلُ أن تنظر إلى الجانب الأملس؟
من أجل كل ذلك، الشموس الغاربة مفتوحة.
النهاية تتشقق مفتوحة مع البداية:
وردية، طرية، تلمع في الثلم.
هل تعني أنه يجب ألا توجد الثلوم؟
بلا التماع، قطراتٍ مركزة من الفجر؟
هل تعني أنها خطأ، الجلد ذهبي-القشرة، الغشاء،
مرئي-التمزق؟
من جهتي، أفضّل قلبي مكسوراً.
قلبٌ فاتنٌ، كفجرٍ متعدد الألوان، في الثلم.