Kamal Boullata, And There Was Light, No 3. Acrylic on canvas, 100 x 100 cm, 2015
هذا الوهم يتكرر أحياناً من أجل "تخويف" القيادات الصهيونية لدفعها لقبول حل الدولتين، وأحياناً كحل حقيقي يمكن أن يوصل إلى دولة علمانية ديمقراطية واحدة (بغض النظر عن التسمية هنا، حيث يُترك ذلك للواقع، رغم أن البعض يعتقد أنه يمكن أن تصبح هذه الدولة دولة فلسطينية). وكل هؤلاء لم يلمسوا بأن ما تقوم به الدولة الصهيونية هو إخراج الجزء الأكبر من الفلسطينيين من البنية السياسية للدولة، لهذا وافقت في أوسلو على "إدارة ذاتية"،
السؤال هو: هل الدولة الواحدة هي فلسطين أم إسرائيل؟ حيث يميل الاعتقاد حين الدعوة للدولة الواحدة أنها هي إسرائيل. لا شك في أن الأحزاب الصهيونية تعتبر أن فلسطين هي إسرائيل، وبالتالي فإن الإشارة إلى الدولة الواحدة تعني بالنسبة لهم إسرائيل. حيث أن المشروع الصهيوني قام على فكرة أن فلسطين هي "أرض الميعاد"، ولهذا يجب أن تُقام عليها "دولة اليهود". ولقد قبلت الحركة الصهيونية بنسبة 78% سنة 1948 لأن الوضع الديموغرافي الذي استطاعت تكوينه قبل سنة 1948 لم يكن يسمح بغير ذلك، فبقيت بقية فلسطين عُهْدة بيد الأردن ومصر. ومن ثم جرّت النظم العربية لحرب سنة 1967 لكي تُكمل سيطرتها على ”أرض إسرائيل“.
فقد ضمنت السيطرة على فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948 بعد أن جرى تهجير جزء كبير منهم، ولهذا كان عليها أن تُكمل السيطرة، وهو الأمر الذي فعلته سنة 1967. لكن كان يجب هضم الضفة الغربية وقطاع غزة، فعملت على الاستيطان في هذه المناطق، حيث تعاملت مع الوضع انطلاقاً من أن من حقها الاستيطان في كل بقعة من الضفة الغربية وقطاع غزة، فوسعت الاستيطان طيلة نصف قرن، وباتت تسيطر على نسبة كبيرة من أرض الضفة الغربية، حيث كان صعباً عليها ابتلاع قطاع غزة نتيجة ضيق المساحة والكثافة السكانية العالية. وكان واضحاً خلال كل هذه السنوات أنها تتعامل مع الضفة الغربية وقطاع غزة على أنها جزء من "أرض إسرائيل"، وأنه من المستحيل عليها التنازل عنها. لكن كانت مشكلتها في السكان، أي في السكان الفلسطينيين الذين يقيمون في هذه الأرض. حيث أن ضم الضفة الغربية وقطاع غزة سوف يعني ضم كتلة سكانية فلسطينية كبيرة تفرض اختلالاً ديموغرافياً كبيراً، لأن الضم يعني إعطاء الجنسية لهؤلاء.
لهذا كان الشُغْل طيلة كل هذه السنوات على كيفية الفصل بين الأرض والسكان، بحيث تبقى الأرض "إسرائيلية" ويكون السكان "جالية أجنبية". نصف قرن مضى والأحزاب الصهيونية المسيطرة تعمل على فك الربط بين الأرض والسكان. لهذا كان الشُغْل على زيادة الاستيطان، والسيطرة على الأرض. حتى في إتفاق أوسلو جرى تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق كثيفة السكان (المدن)، ومتوسطة السكان (القرى) والأرض، وهي المناطق التي لم يسمح لسيطرة السلطة الفلسطينية عليها، وظلت مجال النشاط الاستيطاني.
كل ذلك كان واضحاً منذ سنوات طويلة، وكان يعني أن الدولة الصهيونية تستفيد من الزمن لكي تُحكم السيطرة على الأرض. رغم ذلك كان هناك من يتوهم أنه يمكن تحقيق حل الدولتين، هذا الحل الذي بات إستراتيجية نهائية لمجمل الفصائل الفلسطينية، والذي يجري الدفاع عنه كونه حل ممكن. ولا شك في أن إتفاق أوسلو هو الشكل الكاريكاتوري الممكن، حيث سلطة إدارة ذاتية تحكم الفلسطينيين في المدن والقرى، تحت السيطرة العامة للدولة الصهيونية. وكما تنص أوسلو فإن السلطة هذه تمارس سيطرتها على السكان وليس على الأرض. بالتالي فإن ما حققته أوسلو هو فصل السكان عن الأرض تمهيداً للحل الحقيقي الذي يُخرج الفلسطينيين من بنية الدولة الصهيونية، ويربطهم بحكم ذاتي للسكان. الأمر الذي يسمح بضم الأرض دون سكانها. لتكون فلسطين هي "إسرائيل"، ويكون الفلسطينيون "جالية أجنبية" على أرضهم.
هذا ما يبدو واضحاً الآن، حيث أنهت الدولة الصهيونية مسألة السيطرة على القدس الكبرى، وتسير نحو ضم مستوطنات الضفة الغربية على مساحة من أرضها تبلغ 60%. ولقد عملت طيلة سنوات على ترتيب أشكال حصار المدن الفلسطينية وتقطيع المناطق والعزل عبر الجدار، بما يعني حصر السكان الفلسطينيين في معازل. وليصبح لهم "حقوق سياسية" شكلية، وإدارة ذاتية خاضعة لسيطرة الدولة الصهيونية. ويمكن كما يتردد حين الحديث عن "صفقة القرن" أن يكون لهم ارتباط سياسي بالأردن، وقطاع غزة بمصر. وهو ما يوضّح بأن الدولة الصهيونية اقتربت من ضم هذه المناطق، وبالتالي السيطرة على كل فلسطين، مع إخراج الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من بنية الدولة التي باتت "دولة يهودية". لتبقى أقلية فلسطينية هي تلك الموجودة في الأرض المحتلة سنة 1948 جزءاً من تكوين الدولة بالمعنى السياسي. أي على اعتبار أن هؤلاء هم "مواطنين" في "دولة إسرائيل“.
هذا هو منظور الدولة الصهيونية، الذي تعمل لتحقيقه، ويبدو أنه بات في مرحلة الاكتمال. فقد كان في منظور الحركة الصهيونية أن فلسطين هي "دولة اليهود"، ولقد حققت فعلياً ذلك طيلة عقود من وجودها، وعقود من سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة. وما يجري الآن هو تكريس الأمر الواقع، حيث تتحقق اللاءات الخمس التي رُفعت منذ سنة 1967، وهي لا للانسحاب من غور الأردن، لا لعودة اللاجئين، لا للانسحاب من القدس، لا للدولة الفلسطينية، ولا لسحب المستوطنات. وتكتمل السيطرة على الضفة الغربية، ليبقى الأمر متعلقاً بحكم ذاتي موسّع ربما يكون مرتبطاً سياسياً بالأردن.
الدولة الصهيونية إذن تُكمل وجودها، رغم أنه يمكن أن يكون لها أطماع في مناطق خارج فلسطين (الأردن مثلاً). وهنا تكون إسرائيل هي الواقع على جثة فلسطين. هذا منظور الصهيونية بأحزابها المتعددة. وهذه هي الدولة الواحدة التي تريدها. لكن أمام استعصاء حل الدولتين، وربما نقول فشل حل الدولتين، بات هناك من الفلسطينيين من يرى في أن القبول بالدولة الواحدة هذه هو حل كذلك. والفكرة التي تتردد هنا تقوم على أن الدولة الصهيونية لا تقبل بهذا الحل لأنها تخاف مع الاختلال الديموغرافي الذي سوف يحدث. هذا الطرف يراهن على الديموغرافيا، حيث أن هناك توازن الآن بين عدد الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، لكن التوالد سوف يجعل الفلسطينيين أغلبية بالضرورة. وفي ظل "دولة ديمقراطية" مثل الدولة الصهيونية يمكن أن يسيطر الفلسطينيين على الدولة.
هذا الوهم يتكرر أحياناً من أجل "تخويف" القيادات الصهيونية لدفعها لقبول حل الدولتين، وأحياناً كحل حقيقي يمكن أن يوصل إلى دولة علمانية ديمقراطية واحدة (بغض النظر عن التسمية هنا، حيث يُترك ذلك للواقع، رغم أن البعض يعتقد أنه يمكن أن تصبح هذه الدولة دولة فلسطينية). وكل هؤلاء لم يلمسوا بأن ما تقوم به الدولة الصهيونية هو إخراج الجزء الأكبر من الفلسطينيين من البنية السياسية للدولة، لهذا وافقت في أوسلو على "إدارة ذاتية"، ويمكن أن تجعلها موسّعة. وأن هذه الإدارة هي للسكان فقط، الذين يُعتبرون أقلية مقيمة على "أرض إسرائيل". لهذا لن يكون الجزء الأكبر هذا جزءاً من التركيب السياسي للدولة الصهيونية، حيث لا يعتبروا مواطنين يحملون الجنسية "الإسرائيلية"، ولا يحق لهم الانتخاب. وبهذا يبقى الوضع كما هو الآن: أقلية عربية ضمن "دولة إسرائيل". أقلية قومية في دولة أغلبيتها ”يهود".
لهذا فإن القبول بأن تكون "إسرائيل" هي الدولة الواحدة لا يعني سوى الموافقة على الرؤية الصهيونية تحت وهم الوضع الديموغرافي. وهو ما يعني الاستسلام للمشروع الصهيوني.
فقد ضمنت السيطرة على فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948 بعد أن جرى تهجير جزء كبير منهم، ولهذا كان عليها أن تُكمل السيطرة، وهو الأمر الذي فعلته سنة 1967. لكن كان يجب هضم الضفة الغربية وقطاع غزة، فعملت على الاستيطان في هذه المناطق، حيث تعاملت مع الوضع انطلاقاً من أن من حقها الاستيطان في كل بقعة من الضفة الغربية وقطاع غزة، فوسعت الاستيطان طيلة نصف قرن، وباتت تسيطر على نسبة كبيرة من أرض الضفة الغربية، حيث كان صعباً عليها ابتلاع قطاع غزة نتيجة ضيق المساحة والكثافة السكانية العالية. وكان واضحاً خلال كل هذه السنوات أنها تتعامل مع الضفة الغربية وقطاع غزة على أنها جزء من "أرض إسرائيل"، وأنه من المستحيل عليها التنازل عنها. لكن كانت مشكلتها في السكان، أي في السكان الفلسطينيين الذين يقيمون في هذه الأرض. حيث أن ضم الضفة الغربية وقطاع غزة سوف يعني ضم كتلة سكانية فلسطينية كبيرة تفرض اختلالاً ديموغرافياً كبيراً، لأن الضم يعني إعطاء الجنسية لهؤلاء.
لهذا كان الشُغْل طيلة كل هذه السنوات على كيفية الفصل بين الأرض والسكان، بحيث تبقى الأرض "إسرائيلية" ويكون السكان "جالية أجنبية". نصف قرن مضى والأحزاب الصهيونية المسيطرة تعمل على فك الربط بين الأرض والسكان. لهذا كان الشُغْل على زيادة الاستيطان، والسيطرة على الأرض. حتى في إتفاق أوسلو جرى تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق كثيفة السكان (المدن)، ومتوسطة السكان (القرى) والأرض، وهي المناطق التي لم يسمح لسيطرة السلطة الفلسطينية عليها، وظلت مجال النشاط الاستيطاني.
كل ذلك كان واضحاً منذ سنوات طويلة، وكان يعني أن الدولة الصهيونية تستفيد من الزمن لكي تُحكم السيطرة على الأرض. رغم ذلك كان هناك من يتوهم أنه يمكن تحقيق حل الدولتين، هذا الحل الذي بات إستراتيجية نهائية لمجمل الفصائل الفلسطينية، والذي يجري الدفاع عنه كونه حل ممكن. ولا شك في أن إتفاق أوسلو هو الشكل الكاريكاتوري الممكن، حيث سلطة إدارة ذاتية تحكم الفلسطينيين في المدن والقرى، تحت السيطرة العامة للدولة الصهيونية. وكما تنص أوسلو فإن السلطة هذه تمارس سيطرتها على السكان وليس على الأرض. بالتالي فإن ما حققته أوسلو هو فصل السكان عن الأرض تمهيداً للحل الحقيقي الذي يُخرج الفلسطينيين من بنية الدولة الصهيونية، ويربطهم بحكم ذاتي للسكان. الأمر الذي يسمح بضم الأرض دون سكانها. لتكون فلسطين هي "إسرائيل"، ويكون الفلسطينيون "جالية أجنبية" على أرضهم.
هذا ما يبدو واضحاً الآن، حيث أنهت الدولة الصهيونية مسألة السيطرة على القدس الكبرى، وتسير نحو ضم مستوطنات الضفة الغربية على مساحة من أرضها تبلغ 60%. ولقد عملت طيلة سنوات على ترتيب أشكال حصار المدن الفلسطينية وتقطيع المناطق والعزل عبر الجدار، بما يعني حصر السكان الفلسطينيين في معازل. وليصبح لهم "حقوق سياسية" شكلية، وإدارة ذاتية خاضعة لسيطرة الدولة الصهيونية. ويمكن كما يتردد حين الحديث عن "صفقة القرن" أن يكون لهم ارتباط سياسي بالأردن، وقطاع غزة بمصر. وهو ما يوضّح بأن الدولة الصهيونية اقتربت من ضم هذه المناطق، وبالتالي السيطرة على كل فلسطين، مع إخراج الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من بنية الدولة التي باتت "دولة يهودية". لتبقى أقلية فلسطينية هي تلك الموجودة في الأرض المحتلة سنة 1948 جزءاً من تكوين الدولة بالمعنى السياسي. أي على اعتبار أن هؤلاء هم "مواطنين" في "دولة إسرائيل“.
هذا هو منظور الدولة الصهيونية، الذي تعمل لتحقيقه، ويبدو أنه بات في مرحلة الاكتمال. فقد كان في منظور الحركة الصهيونية أن فلسطين هي "دولة اليهود"، ولقد حققت فعلياً ذلك طيلة عقود من وجودها، وعقود من سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة. وما يجري الآن هو تكريس الأمر الواقع، حيث تتحقق اللاءات الخمس التي رُفعت منذ سنة 1967، وهي لا للانسحاب من غور الأردن، لا لعودة اللاجئين، لا للانسحاب من القدس، لا للدولة الفلسطينية، ولا لسحب المستوطنات. وتكتمل السيطرة على الضفة الغربية، ليبقى الأمر متعلقاً بحكم ذاتي موسّع ربما يكون مرتبطاً سياسياً بالأردن.
الدولة الصهيونية إذن تُكمل وجودها، رغم أنه يمكن أن يكون لها أطماع في مناطق خارج فلسطين (الأردن مثلاً). وهنا تكون إسرائيل هي الواقع على جثة فلسطين. هذا منظور الصهيونية بأحزابها المتعددة. وهذه هي الدولة الواحدة التي تريدها. لكن أمام استعصاء حل الدولتين، وربما نقول فشل حل الدولتين، بات هناك من الفلسطينيين من يرى في أن القبول بالدولة الواحدة هذه هو حل كذلك. والفكرة التي تتردد هنا تقوم على أن الدولة الصهيونية لا تقبل بهذا الحل لأنها تخاف مع الاختلال الديموغرافي الذي سوف يحدث. هذا الطرف يراهن على الديموغرافيا، حيث أن هناك توازن الآن بين عدد الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، لكن التوالد سوف يجعل الفلسطينيين أغلبية بالضرورة. وفي ظل "دولة ديمقراطية" مثل الدولة الصهيونية يمكن أن يسيطر الفلسطينيين على الدولة.
هذا الوهم يتكرر أحياناً من أجل "تخويف" القيادات الصهيونية لدفعها لقبول حل الدولتين، وأحياناً كحل حقيقي يمكن أن يوصل إلى دولة علمانية ديمقراطية واحدة (بغض النظر عن التسمية هنا، حيث يُترك ذلك للواقع، رغم أن البعض يعتقد أنه يمكن أن تصبح هذه الدولة دولة فلسطينية). وكل هؤلاء لم يلمسوا بأن ما تقوم به الدولة الصهيونية هو إخراج الجزء الأكبر من الفلسطينيين من البنية السياسية للدولة، لهذا وافقت في أوسلو على "إدارة ذاتية"، ويمكن أن تجعلها موسّعة. وأن هذه الإدارة هي للسكان فقط، الذين يُعتبرون أقلية مقيمة على "أرض إسرائيل". لهذا لن يكون الجزء الأكبر هذا جزءاً من التركيب السياسي للدولة الصهيونية، حيث لا يعتبروا مواطنين يحملون الجنسية "الإسرائيلية"، ولا يحق لهم الانتخاب. وبهذا يبقى الوضع كما هو الآن: أقلية عربية ضمن "دولة إسرائيل". أقلية قومية في دولة أغلبيتها ”يهود".
لهذا فإن القبول بأن تكون "إسرائيل" هي الدولة الواحدة لا يعني سوى الموافقة على الرؤية الصهيونية تحت وهم الوضع الديموغرافي. وهو ما يعني الاستسلام للمشروع الصهيوني.