آي تشينغ (1910-1996) شاعرٌ صيني اشتُهر مبكّراً بدعمه للشعر الجديد وللاشتراكية. منعته الثورة الثقافية من الكتابة، ثم اعتقلتْه وأجبرته على تقديم اعترافات كاذبة عن “انحرافاته الفكرية”، وأرسلته إلى الأرياف، كي يعمل في أعمال التنظيف والزراعة، وكي “يتعلّم من الناس”، ويتخلّص من “ثقافته البورجوازية”. مع إعادة تقييم ما حصل، عقب وفاة ماو، وتحميل المسؤولية كاملةً لمن أسمتهم القيادةُ الجديدةُ “عصابةَ الأربعة”، أي زوجة ماو ورفاقها، عاد تشينغ للكتابة، لتحتفي بعودته الصين كلها.
في الغرب، ابنه مشهورٌ جداً، وهو الفنان آي ويوي Ai Weiwei. يفخر الابن بأبيه، ويتذكر جيداً السنوات السوداء التي عاشاها، عندما لم يُسمح للأب حتى بالحصول على أدوات للكتابة. يقول إن فنه يختلف عن فن أبيه، ولكنهما يتفقان كلياً على المعاني الأسمى: كرامة الفرد، والديمقراطية، واحترام الآخر، والمحبة.
تُرجمتْ بعض أعمال الشاعر إلى العربية، عن المركز القومي للترجمة في مصر؛ ولكنها ترجمة مدرسية وغير شاعرية، في معظمها.
القصائد أدناه مُترجمَة عن الإنكليزية، وقد كُتبتْ بعد محنة الثورة الثقافية؛ فيها يحتفي الشاعر بالأمل، وبالفن، ويتساءل برقّةٍ عن مصيرنا البشري ومعنى حياتنا.
من دفاتر الشاعر
لا تجعل قصائدَكً ألغازاً:
لا تجعل القارئ يخلط بين أدائك العاجز الغامض وبين التعقيد.
فلتذهب عارياً، بدلاً من أن تضع ثياباً لا تلائمُكَ وتخنق أنفاسَكَ.
…
إذا كانتْ قصيدةً، ومهما كان الشكل، هي قصيدةٌ.
إذا لم تكن قصيدةً، ومهما كان الشكل، هي ليست قصيدةً.
الأحلام
ساعات اليقظة
تكتظّ بالخيالات
بعدها الأحلام
تطرق مضاجعنا.
ربما حب الطفولة
أو رفيقٌ قديم يصل من بلاد بعيدة
تتقلّب الأحزان على فراش الرفّاص
ومواعيد مُلتهبة على كومة من قش
في نوائب الفقر تصلك الهدايا
في أحضان الغنى يسرقك اللصوص
قد تكون إنذاراً زائفاً
أو تلميحاً بأن المزيد ناقصٌ.
المرآة
سطحٌ مستو لا غير،
مع ذلك لا يُدرك غوره
تعشق الحقيقة،
ولن تخفيَ عيباً.
صادقةٌ، لو بحثتَ فيها
لوجدتَ نفسكَ دوماً:
محمرّ الوجه من الخمر،
منمّش الشعر بالثلج.
البعض يستمتع بها،
لأنهم جميلون.
آخرون ينظرون بعيداً،
لأنها صريحةٌ جداً.
وهناك حتى أولئك الذين
يريدون تهشيمها.
الأمل
صديق الأحلام
شقيق الخيال
هو ظلك بالذات
ولكنه دائماً أمامك
كالضوء لا ملامح له
كالريح لا يهدأ أبداً
بينكما
يوجد دائماً مسافة ما
يشبه الطيور المحلقة خارج النافذة
ويشبه الغيوم السابحة في السماء
كالفراشات بجانب النهر
ماكرةً وجميلة
تقترب منها، تطير مبتعدة
تتجاهلها، تعود إليك
وسيبقى دوماً معك
حتى نفسكِ الأخير.
السنوات الضائعة
ليستْ كضياع حزم ثيابٍ ملفوفة؛
يمكن استعادتها من قسم المفقودات.
ليس من الممكن حتى
معرفة أين فُقِدتْ-
بعضها تبدّد قطعاً ونتفاً،
وبعضها فُقِد منذ عشر سنين، عشرين،
بعضها في مدنٍ صاخبة،
وبعضها في فيافٍ قصيّة،
بعضها في محطات الباصات بين جموعٍ كثيفة،
وبعضها تحت مصابيح زيتية منعزلة.
السنوات الضائعة ليست أوراقاً
يمكن لملمتها-
بل ماءً مسفوحاً على الأرض:
تجففها الشمس؛ لا ظلّ يبقى.
الوقت سائلٌ يجري-
لا غربال يلتقطه، ولا شِباك.
الوقت لا يتجمّد؛
حتى لو أصبح أحافير، وبعد آلاف
السنين تمثّل في الأحجار.
الوقت بخارٌ: دخان يصّاعد
من عربات قطارات السباق!
السنوات الضائعة تشبه صديقاً، بعد
انقطاع الصلات ومضيّ الأحزان،
تصلك أنباؤه فجأةً: صديقك هذا
غادَرَنا منذ زمنٍ طويل!