من الممكن أن يكون هذا التعريف أشبه بسؤال الفيس البوك “ماذا تفكر الآن؟” ويتحول إلى “بوست” يلقى الإعجاب وقلوب الحب والتعجب، لكن الأدق، أننا نتحدث عن مخرج استطاع أن يكون في رحاب هوليوود ليقدم فيلماً ليس بسيطاً تقوم ببطولته أسماء كبيرة في التمثيل، لكن هذه المرة لن تدور حكايته في زقاق مدن فلسطينية، ليحكي علاقة حب بين عاشقين يفصلهما جدار، أو شاب في مقتبل العمر يهب جسده في عملية بين جنود محتلين، ولا يحكي لنا وللعالم عن غزة ومحبوب العرب الذي خرج منها، هو في هذا الفيلم الهوليوودي وضع كل ما صنعه سابقاً كي ينقل ولو جزءاً بسيطاً من الواقع الفلسطيني جانباً، ليأتي هذه المرة باسمٍ مكتوب بالخط العريض ويتصدر شاشة كبيرة ضمن فيلم رومانسي/حركة/ تشويق يشاهده ملايين الناس من العالم ويتصدر شباك التذاكر، ليصبح اسماً يتم البحث عنه عبر مواقع مختلفة ويكون التعريف: هاني أبو أسعد مخرج فلسطيني يحمل الجنسية الهولندية.
«الجبل بيننا»… كان فيلم افتتاح الدورة 39 من مهرجان القاهرة السينمائي، وعلى الرغم من إلغاء أبو اسعد عرضَ الافتتاح لأسباب لها علاقة بجهده الذي بذله كي يخرج الفيلم إلى النور، ليجد في الصالة خللاً في تقنية العرض، إضافة إلى إحساسه بأن العرض لم يتم تقديره، لكن مصر بشكل عام من كل الجوانب “بتزعلك وبتراضيك في نفس اللحظة” وهذا الرضى كان حاضراً بقوة في العرض الثاني الذي أقيم في سينما الزمالك، وصعدت الفنانة يسرا الرئيسة الفخرية للمهرجان والفنان حسين فهمي رئيس لجنة التحكيم، ليقدما اعتذارهما ويصفا علاقتهما وعلاقة دَور مصر في حياة هاني أبو أسعد الذي اعتلى وجهه ابتسامة صافية تدل على الغبطة من جمهور امتلأ على آخره في عرض فيلم لن يتم الحديث عنه مفصلاً لأنه سيحظى بعروض تجارية في غالبية دور السينما في الوطن العربي قريباً.
ستشاهد أداءً مختلفاً لكيت وينسليت في شخصية صحافية اسمها أليكس، وستعجب كثيراً لأداء إدريس ألبا في دور طبيب متخصص بالأعصاب اسمه بن، لتعيش معهما معنى التمسك بالحياة والنضال لأجل البقاء في ظروف قاسية بعد أن وقعت بهما الطائرة المروحية الذي أصيب قائدها بذبحة قلبية، ما يؤدي إلى سقوطها فوق منطقة جبلية منعزلة مغطاة بالثلوج في ولاية يوتا، فينجوا هما وكلب قائد الطائرة الذي تم دفنه تحت الثلوج.
فأنت عمليا أمام ثلاثة أرواح، لكل منهم حكاية وخصوصية، يتم بناؤها ضمن ثلاثة أسابيع من وقت زفاف أليكس المفترض، وعملية طارئة كان من المفترض على بن أن يجريها، لكن الظروف الجوية لغت الرحلة لتقرر أليكس التي استرقت السمع إلى بن وتشعر باستعجاله هو الآخر للذهاب إلى مدينة نيويورك، وتعرض عليه استئجار طائرة مروحية، ويحدث كل ما حدث ليجدا نفسهما مع الكلب أن لا غنى لأحدهم عن الآخر.
ستدرك وأنت تشاهد الفيلم ركيزتين أساسيتين: الأولى تكمن في الشعور بتكنيك اللعب في الألوان، والثانية لها علاقة بالقصة نفسها في المزج بين الصراع على البقاء والذي يجمع الغرباء، وبين علاقة حب تنمو على مهل، تصنع التساؤلات لديك، إذا ما كان هذا الحب هو السبب وراء الإصرار على الحياة.
بالنسبة للركيزة الأولى المتعلقة بالألوان، فقد اختار أبو أسعد أن يدير فيلمه مع كل عناصره في مساحة ناصعة بالبياض، مع ثلاث شخصيات وضع عليها تكنيك اللون المرتبط بسَير إدارته للكاميرا، وقدرته على إظهار التفاصيل لتلك الشخصيات بكل تعابيرها وبث لون الحياة فيها، ستدرك وأنت تشاهد أن سيطرة لون الشخصيات تطغى على الخلفية البيضاء، مما يجعلك كمشاهد مرتاحاً بصرياً، وهذا النوع من المزج برع فيه أبو أسعد الذي قدم لغة بصرية متسقة مع التعابير وردات فعل الشخصيات من غضب وحزن، ورغبة، وقليل من الفرح والأمل.
أما بالنسبة للركيزة الثانية فهي القصة نفسها التي تشدك من أول صراع يدور بينهما في تحميل بن المسؤولية لأليكس أنها السبب وراء كل ما حدث ، لتنتقل بعدها إلى الحبكة الرئيسية في قرار باطني ومعلن بينهما على ضرورة عيش ما تبقى لهما من الحياة ضمن وضع استثائي له علاقة بحساب الطعام والماء والأيام، وله علاقة أيضاً بالرغبات الخاصة بكل منهما تجاه الآخر، لأن الخيارات غير متوفرة، ويرتبط بقصة كل واحد منهما عندما يتم البوح بينهما ليس لشيء بل من أجل الكلام وهو دليل على أنهما ما زالا على قيد الحياة.
للكلب أيضاً دور مهم في الفيلم، وعلى ما يبدو -وأكّد أبو أسعد ذلك- أن إدارته له كانت أصعب من إدارة البطلين الرئيسيين، لكن النتيجة كانت ثلاثية متسقة مع بعضها قدمت أدواراً ستظل بالذاكرة.
من الممكن أن تكون القصة بالنسبة للمتلقي الغربي بسيطة بأدواتها، بخاصة أن تطور العلاقات لديهم يختلف عن تطور العلاقات عند العرب، وقد تبدو علاقة الحب بينهما طبيعية في ظل تلك الظروف، وتكون بالنسبة لنا طريقة أخرى للحياة، لأننا محكومون دائماً بالأمل، بسبب اختلاف الظروف كلها بيننا وبينهم، فالجبل على ما يبدو في تلقي الحكاية هو بيننا بالفعل، لكن ثمة أمور أخرى ستجمعنا وهو الرغبة في الحياة سواء في ظروف عادلة أم قاسية.
هاني أبو أسعد استطاع في فيلمه هذا أن يكون حاضراً بقوة في بلد يسيطر عليه اللوبي الصهيوني في الإنتاج، واستطاع أن يبث الفرح في قلوب المشاهدين الفلسطينيين والعرب والفخر أيضاً بدون مبالغة، فهو بفيلمه هذا استطاع أن يؤكد على رسالة مهمة أن صراعه الخاص كفلسطيني مع البقاء يمكن أن يكون على شكل فيلم.