المستند 1
أبريل/نيسان 1948 أمر عسكري يفصل القرى التي ينبغي مهاجمتها من قِبل كتيبة كرملي في شمال فلسطين
ترجمة النص العبري للمستند 1:
“شنّوا الهجوم على قرى الكابري، النهر، البصة، والزيب. دمّروا العصابات والرجال، وخربوا الممتلكات وأجمعوا الغنائم… بعد ساعة الصفر (بداية العملية) بأربع ساعات: أكملوا المهمة في الكابري والنهر والغابسية من خلال إلحاق أكبر قدر من الضرر، ولتنتقل كتيبة الكابري إلى أم الفرج لتدمر القرية. على كتيبة النهر القيام بتدمير قرية التل.”
يحتوي المستند رقم 2 على تعليمات مماثلة لما جاء في المستند الأول، وقد تم إصداره عشيّة عملية حدثت في 20 مايو/أيار 1948.
ترجمة النص العبري للمستند 2:
“لا تتواجد أي قوات أجنبية في القرى الواقعة بين نهاريا وترشيحا في الوقت الحالي (في إشارة إلى جيش التحرير العربي بقيادة فوزي القاوقجي). سكان القرية مسلحون وجاهزون للقتال. نأمركم بالسيطرة على الأرض وقتل الرجال وتدمير وحرق قرى الكابري وأم الفرج والنهر.”
بالنظر إلى هاتين الوثيقتين في الوقت ذاته، يبدو واضحاً أن القوى شبه النظامية التي تشكلت قبل 15 مايو/أيار اعتقدت أن القرى كانت مدعومة من قبل جيوش أجنبية أو مقاتلين متطوعين، قبل أن يدركوا عشية انطلاق العملية أن عدداً من القرى لن تحصل على دعم مشابه.
اللد، الرملة والناصرة
استمرت عمليات الاستيلاء الصهيونية خلال شهر يونيو/حزيران 1948 متفوقة على وحدات الجنود النظاميين التي كانت قد قدِمت من مختلف مناطق العالم العربي لنجدة الفلسطينيين. في هذه المرحلة من الحرب، تركزت الهجمات على الجليل الأسفل والسهول الداخلية وشمال النقب، إضافة إلى مدينتين فلسطينيتين لم تكونا قد وقعتا بيد الاحتلال بعد، وهما اللد، بما في ذلك بلدة الرملة المجاورة، والناصرة.
تتضارب المعلومات داخل وخارج الأرشيف بشأن ما حدث بالضبط في قلب مدينة اللد والرملة. فبخلاف طرد السكان، هناك الكثير من الأدلة العلمية والصحفية على أن 250 رجلاً وامرأةً وطفلاً ممن كانوا قد لجؤوا إلى مسجد اللد الكبير قد تعرضوا للتنكيل في مذبحة دامية، ما سرّع عمليات إفراغ بلدتين من سكانهما وأفسح المجال لتهويد المنطقة الواقعة بين يافا والقدس بشكل كامل. رشَحت معلومات إضافية عن المجزرة بفضل اعترافات غير مسبوقة أدلى بها بعض الرجال الذين شاركوا في العملية، وذلك بين عامي 2012 و2013، عندما قمتُ أنا والباحث والسينمائي إيال سيفان بعقد مقابلات مع أكثر من ثلاثين رجلاً ممن قاتلوا خلال عمليات الاستيلاء التي جرت عام 1948، وقد عمل اثنان منهما في منطقة اللد.
مقطع من مقابلتهما:
بنيامين روسكي:
هناك شيء واحد، أنني لن أتمكن من إخبارك بما حدث أو ما لم يحدث، فلا أهمية لذلك.
مُجري المقابلة:
ما هو؟
روسكي:
إنسَ الأمر.
مُجري المقابلة:
ماذا عن المذبحة التي حدثت في المسجد؟
روسكي:
أنت قلتَ هذا، لا أنا (ويبتسم). لقد هربوا إلى المسجد اعتقاداً منهم بأنه مكان آمن سيحميهم من القتل. اعتقدوا أن الإسرائيليين لن يدمروا المسجد.
يريشميل خانوفيتز:
هل تعرف سلاح PIAT الذي يستخدمه المشاة ضد الدبابات؟ هل تعرف البازوكا المستخدمة لمهاجمة الدبابات؟ استخدمتُ هذه لإطلاق النار على المسجد الذي كانوا يحتمون بداخله.
مُجري المقابلة:
أي مسجد؟
خانوفيتز:
مسجد اللد. ذهبتُ إلى هناك حاملاً سلاح PIAT الخاص بي وأطلقتُ قذيفة هناك.
مُجري المقابلة:
هل أطلقتَها على المسجد؟
خانوفيتز:
أطلقتُها على ساحته. لم يبقَ أحدٌ على قيد الحياة.
مُجري المقابلة:
ماذا كانت الأوامر؟
خانوفيتز:
ماذا تقصد بماذا كانت الأوامر؟ “أطلقوا النار عليهم بواسطة سلاح PIAT”. لا يمكن لشيء أن ينجوا من هذا السلاح.
مُجري المقابلة:
كم كان عدد القتلى؟
خانوفيتز:
كانوا كُثُر.
مُجري المقابلة:
كم كان عددهم؟
خانوفيتز:
الكثير. فتحتُ الباب وألقيتُ نظرة إلى الداخل ثم أغلقتُ الباب.
مُجري المقابلة:
ماذا رأيتَ عندما فتحت الباب؟
خانوفيتز:
ساحة خاوية وقد تناثرت أشلاء الجميع على الجدران.
مُجري المقابلة:
هل كان هناك الكثير من الأشخاص؟
خانوفيتز:
كانوا كُثُر.
مُجري المقابلة:
بأي أعمار كانوا؟
خانوفيتز:
مَن القادر على تذكّر هذا؟ لكنّ ما رأيتُه كان كافياً.
المستند 2
تعليمات بتاريخ 19 مايو/أيار 1948 للاستيلاء على قرى الكابري وأم الفرج والنهر وتدميرها.
حملت التعليمات باحتلال وتدمير قرى الكابري وأم الفرج والنهر تاريخ 19 مايو/أيار 1948.
كانت الناصرة المركز الحضري الثاني المتصل بسياق نقاشنا الحالي، حيث وقعت في يد الاحتلال في 16 يوليو/تموز 1948. باحتلال الناصرة، أحكمت القوات الإسرائيلية السيطرة على كل المدن في ذلك الجزء من فلسطين التاريخية، والتي أصبحت في 1948 تسمى إسرائيل. كانت الناصرة البلدة الفلسطينية الوحيدة التي خضعت للاحتلال لا للتطهير العرقي، ولدينا وثيقة في غاية الأهمية، وهي برقية تشرح سبب ذلك. فور احتلال البلدة، أرسل القائد العسكري المسؤول برقية لمركز الجيش في تل أبيب وحصل على رد خطي من ديفيد بن غوريون. في الرسالة كتب القائد العسكري: “أعلمني فوراً. هل عليّ التخلص من السكان من مدينة الناصرة؟ في رأيي أن علينا القيام بذلك، مع استثناء الشخصيات الدينية رفيعة المستوى”. يوضح المستند 3 والذي تظهر على حواشيه كتابات بخط بن غوريون إذ يكتب: “لا تتخلص من سكان الناصرة”.
اعتمد سؤال القائد العسكري على الفهم الضمني السائد للعمليات السابقة، على اعتبار أن كل المراكز الحضرية الفلسطينية الأخرى أُخليت من سكانها بالقوة، فقد افترض أن عليه تنفيذ أمر مشابه في الناصرة. لكن قرار بن غوريون بعدم طرد سكان الناصرة من الفلسطينيين جاء نتيجة خوفه من ردة فعل العالم الغربي ذو الغالبية المسيحية. فشلت كتابات المؤرخين عن قرار بن غوريون في إدراك الجزء الأكثر أهمية من البرقية، الذي يتلخص في كوْن سؤال القائد العسكري يدلّ على أن التصرف التقليدي مع سكان البلدات الفلسطينية تمثّل في الطرد، أيّ التطهير العرقي.
تم تخصيص شهري أكتوبر/تشرين أول ونوفمبر/تشرين ثاني من عام 1948 للسيطرة على ما تبقى من فلسطين الانتدابية، باستثناء ما أصبح يُعرف لاحقاً باسم الضفة الغربية وقطاع غزة. خلال خريف 1948، عملت قوات الجيش الإسرائيلي بنشاط لتطهير شرق وشمال البلاد من الفلسطينيين. في ذلك الوقت، أظهر الفلاحون الفلسطينيون مقاومة قوية لسياسات التهجير الصهيونية، ما أدى إلى المزيد من المذابح والأعمال الوحشية. بينما لا أرغب في المقارنة بين فظاعة الجرائم المرتكبة، لكن يبدو أن مشهد الرعب في مجزرة الدوايمة تضمن سلسلة من العمليات الوحشية.
مستند 3
برقية بتاريخ 16 يوليو/حزيران 1948 من القائد الميداني لمقر الجيش في تل أبيب مع رد خطي من غوريون بالتعليمات. “لا تطردوا سكان الناصرة”.
الدوايمة
بعد أن احتلت القوات الإسرائيلية الدوايمة في 29 أكتوبر/تشرين أول 1948، تضمن تقرير شهادة أحد الجنود رسالة إلى صحيفة “عل همشمار” اليومية التي أصدرها حزب اليسار الصهيوني مبام بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين ثاني 1948. بالرغم من أن الصحيفة لم تنشر الرسالة يوماً، بقيت الرسالة محفوظة في أرشيف مبام حيث عَثر عليها بيني موريس، والذي قام حينها بإرسال نسخة منها إلى المؤرخ يائير أورون. تسردُ الرسالة تفاصيل مذبحة الدوايمة كما رواها الكاتب على لسان الجندي الذي شارك في العملية.
قام عدد من الباحثين باستخدام الرسالة كمستند يحمل الدلائل القاطعة، حيث يكمن اهتمامهم، المفهوم، بها في الوصف الدقيق للفظاعات التي ارتكبها الجنود. لكن الأمر الذي يحمل أهمية أكبر في رأيي (إقرأ التأكيد في المقطع أدناه) هو أن الرسالة توضح الوحشية واللا إنسانية التي كانت تُمارس بشكل روتيني وشائع لتسهيل تحقيق الهدف المتمثل في “القضاء على السكان الأصليين”.
“عزيزي الرفيق إليازر بيري
قرأتُ مقالة اليوم في عل همشمار عن إجراء يقوم به جيشنا، والذي يتغلب على كل شيء ما عدا الغرائز الأساسية.
شهادة حية قدمها لي جندي ممن تواجدوا في الدوايمة بعد يوم من السيطرة عليها. هذا الجندي منا، فهو مفكر موثوق فيه 100%. أخبرني بما كان في قلبه بسبب حاجة نفسية للبوح بما في روحه فيما يتعلق بوعي فظيع بأن شعبنا المثقف المتعلم قادرٌ على تحقيق هذه الدرجة من البربرية. أخبرني بما كان في قلبه لأن قلوباً قليلة فقط قادرة على الاستماع هذه الأيام.
لم يكن هناك معركة ولا مقاومة ولا مصريين. قام أوائل الجنود الواصلين إلى القرية بقتل بين 80 و100 رجل وامرأة وطفل من العرب. قتلوا الأطفال من خلال سحق جماجمهم بالعصي. لم ينجُ أي بيت من القتلى. كان الجندي الشاهد ضمن سريّة وصلت إلى القرية في الدفعة الثانية من الجيش.
تم حبس الرجال والنساء الذين بقوا في القرية في منازل دون طعام أو شراب، حتى وصل المهندسون العسكريون المكلفون بتفجير المنازل. أمر أحد القادة العسكريين مهندساً بوضع سيدتين مسنتين من العرب في أحد المنازل التي كان سيفجرها وهما بداخله. رفض المهندس العسكري قائلاً أنه لن ينفذ إلا أوامر وحدته العسكرية، فأمر القائد جنوده بوضع النساء داخل المنزل ليتم تنفيذ الجريمة المرعبة.
تفاخر أحد الجنود بأنه اغتصب امرأة عربية قبل أن يطلق النار عليها. أُمِرتْ امرأة أخرى كانت تحمل طفلاً حديث الولادة بتنظيف الساحة التي كان يتناول فيها الجنود طعامهم، وقد قامت بتنفيذ الأمر ليوم او اثنين قبل أن يتم إطلاق النار عليها وعلى رضيعها. يروي الجندي أن القادة رفيعي الأدب والثقافة ممن يُعتبرون أشرافاً في المجتمع تحولوا إلى قتلة محترفين، وأن ذلك لم يحدث في معمعة القتال، بل كان ضمن عمليات تهجير وتدمير ممنهجة، على اعتبار أنه كلما قلّ عدد العرب الباقين كلما كان أفضل. كان هذا المبدأ هو القوة السياسية الدافعة لسياسات التهجير والقتل التي لم يعترض عليها أحد، لا في مستوى قيادة العمليات ولا القيادات العليا. كنتُ أنا على الجبهة بنفسي لمدة أسبوعين وسمعتُ حكايات الجنود والقادة العسكريين المتفاخرين بتفوقهم في القنص والاغتصاب. فاغتصاب عربية كان ببساطة وفي كل الظروف مهمة مشرّفة تحتدم فيها المنافسة.
إننا في مأزق. إن إطلاق صرخة في الصحافة سيكون مساعدة للجامعة العربية، فيما يرفض ممثلونا اتهاماتهم دون أخذها بعين الاعتبار. إن عدم إظهار ردة فعل ما هو إلا تعبير عن التضامن مع خِسّة الروح. أخبرني الجندي بأن مذبحة دير ياسين ليست منتهى الجنون. هل بوسعنا أن نحتجّ على دير ياسين فيما نبقى صامتين عمّا هو أسوأ؟
فورَ معرفته بأمر هذه الرسالة، قام وزير الزراعة في ذلك الحين آهارون زيسلينغ والذي كان عضواً في حزب مبام بإخبار زملائه في الحكومة:
“شعرتُ بأن ما حدث كان يُحدِثُ الجروح في روحي وروح عائلتي وكل واحد منا هنا. لم يكن بمقدوري أن أتخيل الفجوة بين ما كنا نرغب في تحقيقه وبين ما قمنا به فعلاً. بالرغم من أن البريطانيين لم يرتكبوا جرائم النازية، يتصرف اليهود الآن بطريقة مماثلة لما فعله النازيون، ما هزّ جلّ كياني. علينا إخفاء هذه الجرائم عن الجمهور، وأتفق مع ضرورة عدم الإفصاح عن قيامنا بالتحقيقات، لكن أحداث كهذه لا بد أن تخضع للتحقيق”.
تمت الإشارة إلى هذه الرسالة من قِبل توم سيغف وموريس في كتبهما عن الموضوع، لكن عندما ذهب أورون إلى سجلات الأرشيف لقرائتها، اكتشف أنها اختفت.
قائمة يوسف فاشيتز عن الجرائم الوحشية
كان يوسف فاشيتز عضواً في هشومير هتسعير قبل أن ينضم في وقت لاحق إلى البالماخ، وهي قوات العاصفة الخاصة بعصابات الهاغاناه. عمل فاشيتز في القسم العربي لهشومير هتسعير. في أوراقه الشخصية، يشيرُ نصف صفحة في وثيقة لا تحمل أية تواريخ إلى عملية حيرام التي استمرت لثلاثة أيام، ووصف خلالها قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال الجليل الأعلى في أواخر شهر أكتوبر/تشرين أول 1948. يتحدثُ المستند عن صفصاف فيقول: “أُلقي القبض على 52 رجلاً رُبطوا ببعضهم البعض، قبل أن يتم إطلاق النار عليهم في حفرة. كان عشرة منهم على قيد الحياة عندما رميوا في الحفرة. جاءتْ النساء يطلبن الرحمة. تمّ العثور على جثث ستة رجال متقدمين في السن. كان هناك واحداً وستين جثة، وثلاث حالات اغتصاب إحداها لفتاة في 14 من عمرها، إضافة إلى أربعة رجال قُتلوا بالرّصاص، وقد قُطعت أصابع أحدهم بالسكين طمعاً في خاتمه”.
في هذا المستند، يقتبس فاشيتز مباشرة من ملاحظات أحد زملائه في مبام، وهو آهارون كوهين الذي أدين لاحقاً بتهم التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي. أخذ كوهين ملاحظاته خلال اجتماع مع يسرائيل غاليلي وهو أحد أعضاء عصابة صهيونية أسسها بن غوريون وعُرفت باسم “اللجنة الاستشارية”، والتي كانت خططت ونفذت التطهير العرقي عام 1948. يظهر الاقتباس الكامل في عدد من المصادر، بما في ذلك كتاب “نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينين” لبيني موريس. ظهر وصفٌ مماثل للمجزرة التي وقعت في صفصاف في مذكرات يوسف نحماني التي ظهرت على صفحات هذه المجلة في مقالة محفوظة لبيني موريس قبل خمسة وعشرين عاماً.
لدى فاشيتز كذلك بنداً خاصاً بقرية الجِش، يذكر فيه:
“400 من السكان، امرأة تحمل طفلاً وكلاهما أموات. أربع نساء ميتات. 11 مقاتلاً ميتاً.”
كانت الجش قرية في إقليم صفد قاومت بدايةً محاولات الاستيلاء كغيرها من القرى المجاورة. كانت واحدة من القرى الوحيدة التي نجت بعد انتهاء عملية حيرام. بعد أسبوع على نهاية العملية، صدر قرار بتطهير كل القرى المحاذية للحدود مع لبنان عرقياً، لكن الصداقة التي جمعت بعضاً من كبار السن في قرية الجش والزعماء الصهاينة خصوصاً إسحق بن تسفي الذي أصبح فيما بعد رئيساً لإسرائيل حال دون حدوث ذلك، ما حمى القرية من التهجير. لكن قرى حدودية أخرى مثل النبي روبين وتربيخا وسروح والمنصورة وإقرت وكفر برعم تعرضت للتدمير الكامل. في قرية عين الزيتون في الإقليم ذاته، والتي تحتضن أحداث رواية إلياس خوري “باب الشمس”، قام الجنود الإسرائيليون بنزع أقراط النساء عن آذانهن. من المثير للاهتمام بأن قائمة فاشيتز لا تشتمل على بعض الفظاعات الأكثر بشاعة والتي تذكرها مصادر أخرى عديدة. تعدّ الفظاعات التي ذكرها هنا من ضمن أبشع الجرائم بالنسبة له:
كفر برعم:
المشهد ذاته. أقراط وآذان. قتلى دون سبب.
سعسع:
(قرية في الجليل الأعلى، تم تدميرها) حالات قتل خصوصاً ضمن الأكبر سناً.
عيلبون:
(قرية في الجليل الأسفل، في إقليم طبريا) ألف شخص. استقبل الجيش المستسلمين. مذبحة. سرقة الطعام. بدأ تهجير سكان القرية بإطلاق النار. قُتل 30 شخصاً. أمٌر بطرد سكان القرية. وصلت الإشاعة إلى ما بعد الحدود مع لبنان.
الملّاحة:
اثنان وتسعون رجلاً مسناً وطفلاً وامرأة، تم تفجير المنزل بهم.
مشهد:
(قرية في الناصرة) رغبنا في الاستسلام أثناء تواجد فوزي قاوقجي، قائد قوات التحرير العربية التي تطوعت لتقديم المساعدة للفلسطينيين. أخذ بثأره والآن انتقمنا نحن.
بينما تأتي عدة مصادر على ذكر بعض من هذه الفظاعات، فإنها دائماً ما تُذكر في سياق جرائم الحرب التي ارتكبت في ذروة اشتعال المعركة. لكن وكما ذكرتُ سابقاً في هذه المقالة، فإن ارتكاب هذه الأعمال كان القاعدة لا الاستثناء.
كانت المؤرخة الإسرائيلية تامار نوفيك أول من عثر على قائمة فاشيتز في أرشيف ياد ياري قبل إغلاقه. كنا أنا وموريس على عِلم بهذه الوثيقة، حيث كنتُ أنا مديراً لمعهد السلام في ياد ياري قبل سنوات. شاركَتْ نوفيك النتائج التي توصلت إليها مع معهد عكيفوت، وكانت ترجمتُها للمستند 4 جزءاً من تقرير نشرته هآرتز سبق وأشرتُ إليه. عندما عادت نوفيك إلى الأرشيف وسألت عن الوثيقة، تم إخبارها بأن أمراً صدر من وزارة الدفاع يفيد بمنع الباحثين من الاطلاع عليه.
المستند 4
نصف صفحة من أوراق يوسف فاشيتز الشخصية تأتي على تفاصيل الفظاعات التي ارتكبت في عملية حيرام في قرى الجليل الأعلى: صفصاف، الجِش، كفر برعم، سعسع، عيلبون، صلحة، ومشهد.
المجدل عسقلان
كانت آخر منطقتين لم تخضعا للسيطرة الصهيونية في نوفمبر/تشرين ثاني 1948 في النقب، خصوصاً في خاصرته إلى الشمال الغربي، وهي التي شكّلت كذلك الساحل الجنوبي للبلاد الممتد بين يافا وغزة والجليل الأعلى. كما ذكرتُ سابقاً، فإن أبناء مناطق الريف في فلسطين كانوا قد بدأوا بمقاومة الهجمات الصهيونية، بما في ذلك محاولاتهم للعودة إلى قراهم التي سبق وغادروها. أدت محاولات العودة “غير المصرح بها” هذه إلى وضع خطط لعمليتي تطهير عرقي جديدتين.
المستند 5
الأمر رقم 40 بتاريخ 25 نوفمبر/كانون أول 1948 يقدم تفاصيلاً على كيفية طرد اللاجئين الفلسطينيين من قرى قطاع غزة التي عادوا عليها بعد التهجير الأول.
يهتم المستند 5 والذي يحمل تاريخ 25 نوفمبر/تشرين ثاني 1948 بعودة اللاجئين إلى بلدة المجدل عسقلان والقرى المحيطة بقطاع غزة. لهذه القرى صلة خاصة بسياق تظاهرات العودة التي تحدث أسبوعياً قرب السياج الحدودي في غزة منذ مارس/آذار 2018. المتظاهرون قرب السياج هم في غالب الأحيان أبناء الجيل الثالث من اللاجئين المنحدرين من هذه القرى، والذين يطالبون بحقهم في العودة إلى منازل أسرهم فيها:
دوركُم هو طرد اللاجئين العرب من هذه القرى ومنعهم من العودة من خلال تدمير القرى.
الطريقة: (بعد) تمشيط قرى الخصاص، جيرة، خربة خزعة، بعلين، الجية، بيت جرجة، هربيا، ودير سنيد، قوموا بجمع السكان وحمّلوهم في السيارات واتركوهم في غزة. يجب إزالتهم من هذه المناطق ووضعهم في ما وراء الخطوط الإسرائيلية في بيت حانون.
افصلوا بين اللاجئين والسكان المحليين في المجدل وتخلصوا من اللاجئين.
احرقوا القرى واهدموا المنازل الحجرية.
توضح بقية المستند تفاصيل لوجستية تتعلق بالمهمة. لا يمكن العثور على هذا المستند في الأرشيف بعد اليوم.
في شهادة أدلى بها لمنظمة زوخروت/ذاكرات، وهي المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية التي تعمل على تعزيز مفهومي المساءلة والإصلاح فيما يتعلق بمظالم النكبة المستمرة، يأتي جندي من البالماخ ممن شاركوا في جهود إخلاء السكان الأولى والثانية على ذكر حرق القرى بشكل خاص، كأسلوب يرمي إلى إفراغ القرى من السكان. في شهادته، يقول أمنون نيومان:
“أصبحت القرى بعد احتلالنا لها مساحات خالية. مساحات يمكنك استكشافها. لم ندخل القرى بقصد البقاء فيها، إنما كان الهدف إفراغها من سكانها. بحلول الصباح، لم يبقَ أحد هناك. قمنا بحرق منازلهم ذات الأسطح المصنوعة من القش.”
من يتحمل المسؤولية عن أفعال كهذه في الفترة الممتدة بين فبراير/شباط وديسمبر/كانون أول 1948؟
لا يملك محاربا البالماخ القدامى خانوفيتز ويهودا كيدار الكثير من الشكوك. في المقطع التالي، يشير خانوفيتز إلى تهجير الفلسطينيين من شرق فلسطين:
مُجري المقابلة:
هل كانت خطة إيغال آلون المتعلقة بقرى شرق الجليل أن يتم طرد الجميع؟
خانوفيتز:
(بعد تردد) كانت تلك خطة بن غوريون كذلك في نهاية الأمر.
مُجري المقابلة:
ماذا تقصد؟
خانوفيتز:
كنا نسمع أن بن غوريون أعطى الأوامر بإبعادهم.
أما كيدار، فهذا ما قاله عن عمليات التهجير أثناء النكبة:
كيدار:
كان الأمر الذي أعطانا إياه قائدي زفيكا بالطرد.
مُجري المقابلة:
زفيكا زامير؟
كيدار:
نعم، حصل زفيكا زامير على الأمر من بن غوريون، أي أعلى مركز للسلطة، بأن لا نقتل. لم تكن هناك نية للقتل. لكننا قتلنا أولئك الذين رفضوا المغادرة.
مُجري المقابلة:
إذن، كان الأمر بأن يتم التعامل مع رافضي المغادرة بـ…
كيدار:
نعم نعم. كان علينا “الاهتمام بأمر” كل من يرفض مغادرة المكان. لم نكن هناك لجمع الضرائب منهم، بل لبسط السيطرة على أرض الغرباء. كان هذا أساس تفكيرنا. أن نرث الأرض، وهذا ما فعلناه. إن كل من يرث شيئاً يجرّد الآخرين منه. لهذا السبب، لم يُسمح لهم بالعودة في أي مكان شمالاً ولا جنوباً.
في ضوء شهادات كهذه من المحاربين القدامى من حرب 1948 الرامية إلى تغليف الحقيقة والتي تتلهف إسرائيل إلى إخفائها والتغطية عليها، لا يوجد بديل عن الدليل التوثيقي المتمثل في الأوامر العسكرية المحددة، ومواد أخرى لا يمكن الوصول إليها بعد الآن.
ليست الوثائق المقدّمة هنا إلا غيضاً من فيض، فهناك الآلاف إن لم نقل عشرات الآلاف من الوثائق الموجودة بحوزة الناشطين والصحفيين والباحثين.
في حين قد تتوفر نسخ وصور عن الوثائق الأصلية، لتوفر أدلة دقيقة وتفصيلية عن التطهير العرقي الذي حصل في فلسطين عام 1948. إن الاستمرار في جمع ومشاركة ونشر وثائق كهذه هو جزء مهم في النضال ضد إنكار النكبة ومحاولة عدم تسييس المسألة الفلسطينية.
تزداد أهمية كل هذا في ضوء الكشف عن خطة إدارة ترامب مؤخراً عن “صفقة القرن” والتي تتجاهل بشكل صارخ الرواية التاريخية التي تشرح بوضوح حقيقة النكبة “المستمرة” كمَظلمة لا أخلاقية وجريمة ضد الإنسانية.