حكايتي مع  الصحافة الثقافية الفلسطينية: الحرية والكفاح...

2017-09-16 12:00:00

حكايتي مع  الصحافة الثقافية الفلسطينية: الحرية والكفاح...
Rana Bishara, Blindfolded History, silk screened chocolate prints on glass

وأثناء اجتماعاتنا كهيئة تحرير، قمنا بهيكلة القسم الثقافي حيث أعدنا افتتاحية القسم الثقافي بعنوان "حبر" كعامود مستقل، وإلى جانبه بذات الصفحة حوار أسبوعي مع شخصية ثقافية فلسطينية أو عربية ذات حضور خاص، ومواد النقد والقراءات في صفحة خاصة، والكتابات الإبداعية في الصفحة ما قبل الأخيرة في المجلة، وبقي العمل على هذه الهيكلة لسنوات طوال، حتى غادر العديد من الزملاء المجلة بعد الثورة السورية وتحولها إلى الحرب الدائرة على الأرض السورية، ومن المفيد التذكير أن تحرير مجلة «الحرية» يتم في دمشق رغم كل الظروف التي تعيشها سوريا إلى الآن. وكان الراحل زياد يكتب افتتاحية القسم الثقافي إلى أن غادر المجلة في العام 2000. 


منذ عهد الشباب في معهد الكهرباء والميكانيك بعدرا في بداية ثمانينيات القرن الفائت، عندما كنت أشتري الصحف والمجلات من البائع الشيخ الوقور الذي يضع كرسيه على زاوية مقهى الهافانا الدمشقي، قال لي العبارة التالية، التي بقيت محفورة في الذاكرة إلى الآن: "لكي تصل إلى ”الهدف“ يجب أن تنال ”الحرية““.

هذه المقولة التي رددها أمامي منذ احتلال الكيان الصهيوني للعاصمة العربية الثانية "بيروت" في صيف العام 1982، دفعني لشراء كل الصحف والمجلات الفلسطينية الورقية التي كنت من محبيها ومتابعيها قبل أن أصبح أحد المساهمين فيها.

رحل الكثير من الأصدقاء العاملين في حقل الصحافة الفلسطينية في سوريا، منهم جميل حتمل وعلي الرفاعي وجمال ربيع وسمير صالح وبشار إبراهيم وصالح موسى وزياد أبو خولة، وعز الدين إبراهيم… وأمد الله بعمر فرج بيرقدار وأنور بدر وفيصل علوش ومعتصم حمادة وعلي الكردي وأحمد جابر ووليد عبد الرحيم ومحمد السهلي وعامر راشد…"

حكاية العشق للصحافة الفلسطينية تعود إلى صديقي الراحل إحسان عزو ومجلة «القاعدة» التي كانت تصدر عن انشقاق جبهة التحرير الفلسطينية جناح عبد الفتاح غانم، عن تنظيم أبو العباس وطلعت يعقوب، في أواسط الثمانينات حيث زرنا الكاتب والناقد مصطفى الولي في مكتب الجبهة في مخيم اليرموك وتعرفت عليه، ودعاني إلى المساهمة في المجلة، وبدأ عملي في مكتبة الجبهة في مخيم جرمانا.

لكن الزمن لعب لعبته، واعتُقلت في شتاء 1986، وكان لمرحلة سجن صيدنايا المركزي دوراً كبيراً في إعادة صقل الصحفي والناقد والقاص الذي في داخلي، إلى أن خرجت مع موجات الباحثين عن الحرية في ربيع العام 1991، والعودة إلى مقاعد الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية في قسم الدراسات والآداب المسرحية. هذا الشغف في الصحافة الفلسطينية عاد ليشغلني أثناء الدراسة بوجود صديقي المسرحي محمد عمر الذي كان يكتب لمجلة "فتح الانتفاضة - أبو موسى"، بعض المقالات مقابل مخصص شهري، وكذلك الصديق الأستاذ مازن ربيع الذي يعمل الآن أستاذاً في إحدى جامعات إسطنبول بتدريس اللغة العربية للأجانب، وكان قد نشر أكثر من مادة بحثية عن الفلسفة في أكثر من مجلة.

«الهدف» ورحلة البدايات


أثناء دراستي في السنة الأولى أصدر الراحل يوسف قندلفت مجموعته القصصية الوحيدة «حبيبتي الميتة لا تشرب القهوة صباحاً»، وكان صديقي الروائي والكاتب علي الكردي مسؤول القسم الثقافي في مجلة «الهدف» التي تصدر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كتبت قراءة في المجموعة ونشرتها فيها، ومع نشرها فتحت آفاق التعاون مع المجلة، لمتابعة سلسة وذلك بنشر مواد نقدية مسرحية عن عروض قدمت على منصات المسارح الدمشقية ومجموعة حوارات ثقافية فلسطينية سورية.

لكن أهم المواد التي كانت تغريني في بذل جهد كبير لها هي مادة ”الهدف السنوي“ في ذكرى إصدار العدد الأول من المجلة، ومن أهم تلك المواد قراءة في مسرح الشهيد المبدع غسان كنفاني، التي انتشرت في المجلة وفي أكثر من مجلة وموقع إلكتروني فلسطيني، بالإضافة إلى حوار كنت أجريته مع كاتب التغريبة الفلسطينية الدكتور وليد سيف، ومادة تتحدث عن فهم الراحل كنفاني للحركة الصهيوينة، وكذلك قراءة في روايته «من قتل ليلى الحايك»، وأيضاً تغطية لمهرجان أيام عمان المسرحي الذي دعيت إليه، وكذلك الحوار الذي أجريته مع المخرجة الفلسطينية سوسن دروزة بعد عرض مجموعة من أفلامها خلال أسبوعها في النادي الفلسطيني للسينما في المركز الثقافي الفلسطيني من في 2005 في قاعة خالد نزال للثقافة الوطنية في مخيم اليرموك، وكانت قد قدمت 14 مسرحية على المسرح الملكي في مدينة الحسين في عمان، وعرضت مسرحية «مصابة بالوضوح»، ومن أفلامها الوثائقية القصيرة «المربع، الحرب أصعب، الحرب أسهل، نقطة تحول، حكايات من غزة، جلسة فطور طويلة جداً جداً، بلادك حرة، ملاجئ وقلوب».

مدرسة مجلة «الحرية»


بدأت علاقتي المهنية بمجلة «الحرية» عند عرض مسرحية «دائماً وأبداً» للمخرج الراحل هادي المهدي، حيث حضر العرض الصديقان الراحلان عز الدين إبراهيم وزياد أبو خولة، وطلبا مادة عن العرض ولقاء مع المخرج، وأنجزت لهما ما طلبا (صيف 1996)، رغم أنهما أكدا أن هذه المواد غير مأجورة، واستمرت علاقتي مع الحرية على هذا المنوال بكتابة مادة عن عرض مسرحي، ولقاء مع مخرج أو قراءة في مجموعة قصصية إلى آذار 1998، إذ سألني زياد حول رغبتي في العمل بمجلة ”الحرية“، فكان جوابي بنعم، وحجز لي موعداً مع رئيس التحرير معتصم حمادة الذي أكد في هذا اللقاء أن العمل لن يكون في القسم الثقافي في المجلة، وإنما في قسم الأخبار والإسرائيليات لوجود الصديقين زياد وعز الدين، عندها أبديت استغرابي من ذلك، لكن أمام سوق العمل السوري وتقلبات مزاج مسؤولي الصفحات الثقافية التي أكتب لها، كان لا بد من الموافقة، وأكد الصديق معتصم أن الأشهر الثلاثة الأولى هي فترة تجريبية تحت الاختبار، ويحق للإدارة فك العقد الشفهي بين المجلة والمحرر.

وفي الشهر الأول من عملي في المجلة كانت وفاة الشاعر الكبير نزار قباني وتواجدنا (زياد وأنا) في مقبرة باب الصغير حيث مدفن أهل الشاعر، وحضرنا الدفن وزرنا بيت أهل الشاعر حيث عاش طفولته ومراهقته وشبابه. واستمريت في كتابة وإجراء الحوارات للقسم الثقافي في المجلة، إلى جانب عملي في الأخبار والإسرائيليات، ومن أهم الحوارات التي أجريناها للمجلة، كان حوارنا مع الروائي المصري بهاء الطاهر.

وأثناء اجتماعاتنا كهيئة تحرير، قمنا بهيكلة القسم الثقافي حيث أعدنا افتتاحية القسم الثقافي بعنوان "حبر" كعامود مستقل، وإلى جانبه بذات الصفحة حوار أسبوعي مع شخصية ثقافية فلسطينية أو عربية ذات حضور خاص، ومواد النقد والقراءات في صفحة خاصة، والكتابات الإبداعية في الصفحة ما قبل الأخيرة في المجلة، وبقي العمل على هذه الهيكلة لسنوات طوال، حتى غادر العديد من الزملاء المجلة بعد الثورة السورية وتحولها إلى الحرب الدائرة على الأرض السورية، ومن المفيد التذكير أن تحرير مجلة «الحرية» يتم في دمشق رغم كل الظروف التي تعيشها سوريا إلى الآن. وكان الراحل زياد يكتب افتتاحية القسم الثقافي إلى أن غادر المجلة في العام 2000. 

ومن آليات العمل في القسم الثقافي هي تقديم كل مواد العدد  إلى رئاسة التحرير نهار الخميس، حيث ترسل إلى التنضيد والصف على الكمبيوتر إلا الافتتاحية التي تكتب وتسلم نهار السبت، ليتسنى للقسم الثقافي متابعة التدقيق الطباعي وإخراج صفحات المجلة، حيث كانت هذه المهمة موكلة إلى القسم الثقافي مع سكرتيرة التحرير، ومتابعة إخراج الصفحات وتدقيقها إخراجياً مع المخرج "زيكوف"، وأثناء اجتماعات هيئة تحرير المجلة نهار الخميس يكلف القسم الثقافي بالمواد المطلوبة بعد اقتراحات الهيئة، وتتم جدولة هذه الاقتراحات كمهام للعاملين في القسم (عز الدين وزياد وأنا) لكي نعمل على إنجازها ومتابعة بقية المهام، وغالباً ما كانت تنجز هذه المهام خارج أوقات الدوام الرسمي، لكن في بداية العام 2000، كان قد غادرنا عز الدين وزياد، وأصبحت وحيداً في القسم الثقافي إلى أن حضر زميلنا عبد الناصر حسو، وحافظنا على آلية العمل ذاتها، إلى أن غادرت القسم في العام 2004، للمكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في المركز الرئيسي (شارع بغداد – الأزبكية) مع الصديق الكاتب عامر راشد حيث تولى رئاسة القسم الصديق عبد الناصر وبقيت أحد المساهمين به عن بعد.

وأثناء عملي في رئاسة القسم كنت المكلف في قراءة جميع المواد المرسلة إليه، وإقرار المناسب منها بالتشاور مع رئيس التحرير، وكتابة افتتاحية القسم "حبر"، وإجراء الحوارات المباشرة مع الشخصيات الثقافية الموجودة في سوريا، وأذكر أن من أهم الحوارات التي أجريناها كانت مع الروائي الراحل هاني الراهب وممدوح عزام والمخرج التونسي منصف سويسي والشاعر نزار بريك هنيدي والشاعر والروائي إبراهيم نصر الله والروائي رشاد أبو شاور والروائية مي جليلة والمخرج أياد داود والمخرجة مي مصري والفنان التشكيلي سليمان العلي. إضافة إلى العديد من الأبحاث والمواد النقدية أذكر منها ”السينما العربية والفلسطينية تعبر من قرن إلى قرن“، والعديد من المتابعات الفلسطينية والسورية، وكذلك كنا نستغل مشاركة الأصدقاء في مهرجانات مسرحية وسينمائية، ليجروا للمجلة حوارات مع شخصيات فلسطينية مثلما قامت بذلك المخرجة المسرحية الراحلة سحر مرقدة، والناقد السينمائي الشاعر محمد عبيدو. 

مجلة «الكفاح» والليالي الطويلة


بعد مغادرتي مجلة ”الحرية“ في صيف العام 2006،  عملت بمجلة ”الكفاح“ التي تصدر عن منظمة الشبيبة التقدمية الفلسطينية كسكرتير ومدير تحرير ومسؤول القسم الثقافي حتى نهاية العام 2011. 

أثناء عملنا لإعادة مجلة ”الكفاح“ إلى الإصدار كنا نواجه مشكلة عدم وجود كادر صحفي مدرب ومختص، واعتمدنا غالباً على الزملاء الجدد في المجلة (محمد أبو شريفة، موسى جرادات، علاء العالم، وسيم السلطي، منى طالب، سماح أبو بكر، يزن الصالح، محمود الشهابي) بالإضافة إلى وجود الزملاء: الراحل سمير صالح وجهاد أبو غياضة وشريف الشريف. كل ذلك كان يجري بإشراف الصديق والزميل أيمن أبو هاشم رئيس المنظمة، ورئيس التحرير الذي يكتب افتتاحية العدد.

في المجلة بقي القسم الثقافي وافتتاحيته من مسؤوليتي طيلة فترة الإصدار إلى جانب الحوار الرئيسي في القسم الثقافي مع الشخصيات الثقافية الفلسطينية، وغيرها حيث استضفنا الراحل يوسف سامي اليوسف والمسرحية خزامى رشيد والشاعر وليد عبد الرحيم وملفي المسرح والرقص الفلسطيني من خلال ناصر الناصر ومحمد عودة واعتمدنا أسلوب التحقيقات الثقافية وكان ملف الفن التشكيلي الفلسطيني في سوريا والقصة الفلسطينية، وملف إدوارد السعيد كعلم من أعلام الثقافة الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك دراسات في السينما الفلسطينية والأمريكية والضربات الاستباقية ومجموعة من المقالات النقدية لبعض الظواهر الفلسطينية مثل القدس العاصمة الثقافية الفلسطينية، وأحدثنا باب أعلام يجري التعريف به بشخصية ثقافية فلسطينية.

 لكن الميزة الأساسية لمجلة ”الكفاح“ هي أن أغلب عملها كان يجري ليلاً، خصيصاً إخراج صفحات المجلة مع المخرج إبراهيم مؤمنة، ونادراً ما كنت أغادر المخيم قبل الساعة الثانية ليلاً وعلى هامش عملي في مجلة ”الكفاح“ نشرت أكثر من مادة ثقافية في مجلة ”إلى الأمام“ الفلسطينية التي تصدر عن الجبهة الشعبية-القيادة العامة.

إن الصحافة الفلسطينية شكلت مدرسة نضالية بكل معنى الكلمة لكل من ساهموا بها عبر تاريخ طويل، وخرّجت قامات صحفية في شتى صنوف الصحافة وفي مقدمتهم العديد من أساتذتي منهم ممدوح عدوان وفيصل دراج ويوسف سامي اليوسف ومعتصم حمادة.