أفهم أن يتم غض النظر عن مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني، نتيجة كل ما يقال عن وجود مسلحين و”إرهابيين” فيه، لكن لماذا يُقصف مخيم خان الشيح؟ فالمخيم لا يحوي لا “إرهابيين” ولا مسلحين، وهو خارج الصراع السوري، ولم يدخل إليه مسلح واحد يعتبر في نظر السلطة السورية إرهابياً.
فقد تعرّض المخيم، ولا زال يتعرّض لقصف وحشي من قبل النظام، والطائرات الروسية، وهو يهدَّم فوق ساكنيه من اللاجئين الفلسطينيين. ولقد جرى حصاره منذ مدة، وأصبح هدفاً للتدمير. واستشهد العديد من سكانه، منهم أطفال ونساء. كل ذلك رغم أنه لا يحوي أي مسلح، وليس ملاذاً للسوريين الهاربين من وحشية النظام. هذا الأمر هو الذي يطرح السؤال: لماذا يُقصف المخيم؟ لكنه يطرح سؤالاً أشمل يتعلق بمصير كل المخيمات الفلسطينية في سورية، التي تعرضت للقصف والتدمير بحجة دعمها للثورة السورية، أو وجود مسلحين فيها. فقد دُمِّر مخيم درعا قبل أن تتحوّل الثورة إلى السلاح. وتعرّض مخيم الرمل الشمالي للقصف والتدمير أيضاً قبل التحوّل إلى السلاح. وجرى تدمير بنية مخيم حمص رغم أنه لم يكن يحتوي على مسلحين، وكذلك الحال في مخيمات أخرى.
وربما يوضّح ما يجري ضد مخيم خان الشيح الصورة، لكي يفهم مؤيدو بشار الأسد من الفلسطينيين أنه يدمر المخيمات بلا سبب ظاهر. ولكي يعرف هؤلاء أن الأمر لا يتعلق بوجود مسلحين، ولا بـ “موقف منحاز”، بل يتعلق بتصور حول المخيمات ذاتها. لقد دفع النظام بمجموعات “تابعة له” لكي تدخل مخيم اليرموك بعد أن دمَّر مخيمات درعا والرمل الجنوبي وحمص، واستغلّ ذلك لكي يقوم بعملية تدمير ممنهجة لهذه المخيمات بحجة دعم الثورة أو وجود مسلحين “إرهابيين”. لكن ليس في مخيم خان الشيح مسلحاً واحداً، ولم يظهر أنه يهدد “الأمن القومي”، فلماذا هذا التدمير الممنهج له؟
لا يمكن إلا أن نضع ما يجري في سياق التدمير المقصود للمخيمات، فقد دُمّر مخيم درعا قبل أن تنتقل الثورة إلى السلاح، وكذلك الرمل الجنوبي. ودُمّر مخيم اليرموك ولا زال يدمر بعد أن جرى اللعب على إدخال مسلحين إليه. والآن يدمر مخيم خان الشيح بلا أي وجود لسلاح أو مسلحين. إننا إزاء قصدية في التدمير، ربما تندرج في سياق “المشروع الصهيو-أميركي” (كما يسميه جماعة الممانعة) الذي يعمل منذ احتلال العراق (وربما قبل ذلك) لتهجير اللاجئين الفلسطينيين إلى أقاصي الأرض، حيث مُنعوا من دخول الأردن، ومن دخول “بلد الممانعة” سورية، وظلوا عالقين على الحدود في الصحراء سنوات قبل نقلهم إلى أميركا اللاتينية. وفي هذا شارك النظام الممانع في “المخطط الإمبريالي”، فلم يسمح لهؤلاء اللاجئين بالاستقرار في سورية.
فما يجري يتعلق بتنفيذ سياسة تهجير مقصودة من أجل إنهاء قضية اللاجئين بالأساس، في سياق إنهاء الصراع مع الدولة الصهيونية، التي سعى ويسعى النظام للتصالح معها كما أظهرت وقائع كثيرة تكررت في السنوات الماضية.
ولهذا يمكن القول الآن أن ما يقوم به النظام من تدمير قصدي للمخيمات هو لتهجير اللاجئين الفلسطينيين السوريين من سورية كي تتلقفهم بلدان العالم البعيدة. فقد بات واضحاً أن النظام السوري ينسّق الخطوات في هذا المجال مع واضعي مشروع التهجير، وأنه ينفّذ عملياً ذلك عبر تدمير المخيمات. فهو يقدّم أوراقاً لأميركا والدولة الصهيونية لكي يبقى، ولكي يظل حامياً حقيقياً للوجود الصهيوني.
إذن، الأمر يتعلق بسياسة ممنهجة لتدمير المخيمات وتهجير اللاجئين، ولا يتعلق بوجود مسلحين أو سلاح. هذا بيان للفلسطينيين الذين لا زالوا يدعمون النظام السوري، وإدانة للتنظيمات الفلسطينية التي تهلل وتؤيد وتدعم النظام السوري. فما يجري أخطر من “الخوف” من داعش والنصرة، لأن هذه التنظيمات أدوات تُستغلّ من أطراف متعددة منها النظام السوري. وأوضح من التوهم بأن النظام “معادٍ لأميركا” وضد الدولة الصهيونية و”يدعم المقاومة”، رغم أنه حمى الحدود لعشرات السنين، ومنع كل مقاومة منها، وهو “يدعم” المقاومة كتكتيك يهدف إلى تعزيز أوراقه التفاوضية. فما يجري يتعلق بتنفيذ سياسة تهجير مقصودة من أجل إنهاء قضية اللاجئين بالأساس، في سياق إنهاء الصراع مع الدولة الصهيونية، التي سعى ويسعى النظام للتصالح معها كما أظهرت وقائع كثيرة تكررت في السنوات الماضية.
بالتالي، مخجل أن يقف فلسطيني مع النظام السوري، ومدان كل من يدعمه. فما “يظهر على السطح” ليخيف ليس إلا فزاعات هدفها التغطية على سياسات خطيرة. فهل ندافع عن مخيم خان الشيح ضد التدمير الممنهج له؟ وهل ندين كل الفصائل التي تهرب من كشف ما يجري، والتي على العكس تدعم النظام، وتزجّ بشباب فلسطيني لكي يدافع عن نظام وحشي باع فلسطين منذ عقود؟