تعدّ مصر أوّل دولة عربيّة أُسّس فيها إذاعة ناطقة باللغة العربيّة وهي محطّة الإذاعة المصريّة بالقاهرة، وذلك في 21 أيّار/ مايو 1934، ثمّ تبعتها فلسطين التي شهدت تأسيس إذاعة ناطقة باللغة العربيّة وهي دار الإذاعة الفلسطينيّة “هنا القدس”، وقد كانت تبُثّ بثلاث لغات، هي: العربيّة والإنكليزيّة والعبريّة.
ويذكر الفنّان الفلسطينيّ نصري الجوزي (1908 – 1996) في كتابه «تاريخ الإذاعة الفلسطينيّة» أنّ “أهمّ الأهداف التي دعت حكومة الاحتلال البريطانيّ في فلسطين إلى تأسيس دار الإذاعة الفلسطينيّة هو شعورها بكره العرب الفلسطينيّين لها وميلهم نحو ألمانيا فأرادت عبرها استمالتهم إليها لصرف الجماهير الفلسطينيّة المناضلة الثائرة عن المطالبة بإيقاف بيع الأراضي، ومنع الهجرة اليهوديّة، والحفاظ على عروبة فلسطين، وإعاقة الجهود العربيّة للدفاع عن فلسطين، وإظهار اليهود كشعب متحضر، وتطبيق سياسة فرق تسد”.
انطلقت إذاعة فلسطين الأولى في 30 آذار/ مارس 1936، لتشكّل مفترق ثقافيّ وفنّيّ هام جداً في منطقة بر الشّام (سوريا والأردن ولبنان وفلسطين) بإدارة عليا بريطانيّة، وكان القسم العربيّ فيها رائداً في استقطاب الكثيرين من أدباء وشعراء وفنّانين عرب إضافة إلى زملائهم الفلسطينيّين الذين شكلوا نواة فنّيّة وثقافيّة.
ويبدو واضحاً أنّ الهجرة القسريّة لمعظم من عمل في إذاعة “هنا القدس” وسعي سلطات الاحتلال البريطانيّ والصهيونيّ لمحو كل شيء يربط هذه البلاد بأهلها، أدّت إلى اختفاء مقتنياتها في البيوت الخاصّة لعائلات من عملوا فيها، أو فُقِدَت أثناء نقلها من مقارها في القدس إلى رام الله، أو نُهِبَت وانتهى أمرها في سراديب المُحتل البريطانيّ الذي نقل كل ما لديه من مواد خاصّة بإذاعتي “هنا القدس” و”الشرق الأدنى” إلى أرشيف إذاعة الـBBC.
حفل الافتتاح الرسمي
جرى حفل افتتاح دار الإذاعة الفلسطينيّة في مقرّها القديم وكانت تشغل غرفتين من فندق “بالاس” الواقع في شارع مأمن الله في القدس، بدعوة من حكومة الاحتلال البريطانيّ في فلسطين يوم 30/3/1936، وقد حضر الحفل عدد كبير من وجهاء وأعيان القدس وباقي المدن الفلسطينيّة، وعدد من كبار الفنّانين والموسيقيّين العرب بالإضافة إلى عدد من كبار الموظفين البريطانيّين، وكان أول صوت عربيّ يصدح في هذه الإذاعة على الأثير هو صوت شاعر فلسطين الأوّل إبراهيم طوقان (1905 – 1941)، ثم قدم الفنّان المصري الشيخ أمين حسنين وفرقته بعض المونولوجات والحواريّات التي نالت إعجاب الحضور والمستمعين، ثم جاء دور الموسيقي السوري محمد عبد الكريم الشهير بـ “أمير البزق”، والذي كان قد دُعي إلى دار الإذاعة ليسهم مع الموسيقيّين للإعداد لحفل الافتتاح، فقدّم أجمل المقطوعات الموسيقيّة، وانبهر مدير الإذاعة البريطانيّ من عزف الموسيقيّ السوريّ فعرض عليه العمل في الإذاعة براتب مغرٍ، فقبل وقدم خلال إقامته في القدس وعمله في دار الإذاعة أكثر من 32 لحناً.
ومما يذكره الموسيقار والمؤرخ وعازف العود الفلسطينيّ واصف جوهرية (1897 – 1973) في “الجزء الثاني” من مذكراته «القدس الاحتلالية في المذكرات الجوهرية»، أنّ حفل الافتتاح ضمّ الكثير من هواة الفنّ من أمثال: إبرهيم عبد العال ومحمد عطية واسكندر الفلاس ويحيى السعودي وجليل رُكب ورامز الزاغة وكاظم السباسي وفهد النجار وميلاد فرح وتوفيق جوهرية وروحي الخماش وآرتين سانتورجي وباسيل ثروت ومحمد عبد الكريم (أمير البزق). مشيراً إلى أنّ الموسيقار يحيى اللبابيدي، الذي أعطى فريد الأطرش إحدى أشهر أغنياته في الثلاثينيات «يا ريتني طير لطير حواليك»، هو أول من ترأس القسم الفنّيّ العربيّ، ثمّ جيء بعازف الكمان جميل عويس الذي حاول تعليم هؤلاء الهواة النوتة الغربية، إلّا أنّ الفضل في تعليم وتنظيم الفرقة الموسيقية يعود إلى عازف البيانو يوسف البتروني. كما وكان عازوري أهارون من الأوائل في الإذاعة وهو الذي كان ممن مثّلوا العراق في “مؤتمر الموسيقى العربيّة الأوّل” الذي انعقد في القاهرة عام 1932، إلّا أنّ انعدام الانسجام سياسياً بين اليهود والعرب قد حال دون استمرار عمله في الإذاعة.
مواجهة مفتوحة مع إبراهيم طوقان
عهدت حكومة الاحتلال البريطانيّ في فلسطين إدارة القسم العربيّ في إذاعة القدس لشاعر فلسطين الأوّل إبراهيم طوقان، متوهمة بأنّ تعيينه طوقان في هذا المنصب الكبير فيه نوع من الإغراء، وأنه سوف يتمسك بمنصبه ويذعن لسياسة الاحتلال في الوقت الذي اندلعت فيه ثورة 1936 في عموم المدن الفلسطينيّة، وكان الشعب يتطلع بقلبه إلى الشاعر الوطني لكي يحقق غاياته في هذه المرحلة من الكفاح، ونفّذ طوقان رغبات الشعب وبذل جهداً كبيراً في القسم العربيّ ووجهه توجيهاً أدبيّاً وقوميّاً مكنه من أداء رسالته القومية خلال المدة التي عمل فيها، وقد تصدى خلال فترة عمله في الإذاعة لفئة متآمرة، كانت تسعى سعياً حيثياً لتنشيط اللهجة العاميّة، وجعلها الغالبة على الأحاديث المذاعة، وقد استطاع أن يهزمها. الأمر الذي دفع بسلطات الاحتلال البريطانيّ والعصابات الصهيونيّة لشن حملات عدوانية عليه وعلى ما يذيعه، واضمروا له الشر، فاتهموا “البرنامج العربيّ” الذي يشرف عليه بأنه مُسخر للتحريض، وزعمت السلطات الإنكليزيّة بأنّ توجيه البرامج التي كانت تذاع في القسم العربيّ يمنعها من توطيد سلطتها في البلاد، وكانت ترغب من مدير القسم العربيّ إبراهيم طوقان أن يصنع برامج خفيفة لإلهاء الناس لا لإيقاظهم وشد عزائمهم، أما الجهات الصهيونيّة فزعمت أنّ القسم العربيّ بإدارة طوقان موجّهاً توجيهاً عربياً يمكّن أعداء الصهيونيّة من مقاومتها، واتُّهم إبراهيم من قبل الصحف الصهيونيّة بمعاداته للسامية، وأنه كان ينشر البغضاء والكراهية بدلاً من أن ينشر السلام، فحبكت بعدها الدسائس والمؤامرات ضده من قبل سلطات الاحتلال والصهاينة ووضع تحت المراقبة.
ويَذكر نصري الجوزي أنّه في أوائل الحرب العالميّة الثانية (أي سنة 1939)، انتقل مقر الإذاعة من فندق بالاس إلى دار كبيرة مكوّنة من تسع غرف للإذاعة وخمس غرف للأعمال الهندسيّة.
وفي آب/ أغسطس من نفس العام تعرّض مبنى الإذاعة للانفجار ما أودى بحياة الكثيرين ونجا إبراهيم طوقان بأعجوبة، وفي مطلع تشرين الأوّل/ أكتوبر من عام 1940، أقصت السلطات البريطانيّة طوقان عن عمله في إدارة القسم العربيّ، بعد أن جعل من الإذاعة منبراً للوطنية الصادقة.
وإثر إقالة طوقان عينت سلطات الاحتلال البريطانيّ المناضل اللبناني الأصل عجاج نويهض (صاحب مجلّة “العرب” التي كانت تصدر بالقدس وأحد مؤسسي حزب الاستقلال الفلسطينيّ) رئيساً للقسم العربيّ الذي تولاه خلال السنوات (1940 -1944) بعد أن اشترط على الحكومة البريطانيّة عدم التدخل بأمور القسم، وبعده تولي عزمي النشاشيبي (الحاصل على دبلوم في الصحافة والعلوم السياسية من جامعة لندن عام 1930) إدارة القسم العربيّ خلال السنوات (1944 – 1948)، وهو أوّل من أدخل الإذاعات المنقولة لنقل الاحتفالات الدينيّة على الهواء مباشرة من الأماكن المقدّسة الإسلاميّة والمسيحيّة.
وقد ساهم عدد من الأدباء والكتاب والصحفيين المعروفين في الوطن العربيّ في تقدم القسم العربيّ وتطوره أمثال: عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، عصام حماد، محمد أديب العامري، سعيد العيسى، موسى الدجاني، راجي صهيون، عبد الحميد ياسين، عقيل هاشم، وداوود الدجاني (الذي كان أول مبعوث إعلامي فلسطيني يغطي أنباء الحج عام 1944)، وخليل السكاكيني، الذي روى عنه يعقوب العودات (البدوي الملثم)، في كتابه «أعلام الفكر والأدب في فلسطين» أنه حين عمل السكاكيني في إذاعة القدس سمع المذيع اليهودي يقول بالعبريّة: “هنا أرض إسرائيل”، فثارت ثائرته استنكاراً لهذا القول، وتناول سماعة الهاتف وطلب مدير القسم العربيّ في الإذاعة الفلسطينيّة، وقال له: “إذا كانت فلسطين أرض إسرائيل فنحن العرب دخلاء ثقلاء وليس لنا إلّا الرحيل. إنّها لقحة عظيمة لا تستسيغها النفوس”. وأضاف: “لقد قررت بعد أن سمعت عبارة أرض إسرائيل أن أقاطع الإذاعة فاشطب اسمي”. ويقول السكاكيني في يوميات يوم السبت الواقع في 4/ 4/ 1936 ما يلي: “وقد اضطرت الحكومة على إثر انسحابي أن تعلن أنها منعت اليهود من أن يسموا فلسطين أرض إسرائيل”.
كتّاب وشعراء وفنّانون في ضيافة الإذاعة..
قامت إذاعة القدس باستضافة عدد من كبار الشعراء والكتّاب من فلسطين والبلاد العربيّة المجاورة لإلقاء المحاضرات والأحاديث الإذاعيّة وخاصّة في شهر رمضان المبارك، وكان من أبرز المحاضرين: الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير) الذي ألقى قصيدة بعنوان «تحية فلسطين»، والتي أُذيعت في الثاني من نيسان/ ابريل 1942 ومن أبياتها:
فلسطين أفديك من دمعة تهاوت على بسمة حائرة
تعانقنا فاستحال العناق لهيباً على شفة ثائرة
“فلسطين ياحلم الأنبياء وملهمة الأنفس الشاعرة
حصلنا لك المهج الظامئات وأصدية القبل الطاهرة”
ومن الذين حاضروا أيضاً في الإذاعة، الأديب المصريّ عباس محمود العقاد، الذي قدّم محاضرة بعنوان «الحرب بعد اثني عشر شهراً وستة أسابيع»، ونذكر كذلك العلّامة السوريّ محمد كرد علي (رئيس المجمع العلميّ العربيّ بدمشق)، الذي قدّم محاضرة عنوانها «هل تمدّنا؟».
وعلى الصعيد الفنّيّ، سرعان ما تحوّلت الإذاعة إلى قبلة الكثير من الفنّانين العرب، وازدهر نشاطها الثقافيّ والفنّيّ، وقد كانت للملحن السوريّ المتميّز عبد الفتاح سكر إلى جانب (أمير البزق) محطّة هامة أيضاً في إذاعة القدس، وذلك بعد أن التقى عام 1946 في الأردن مصادفة بمطرب الإذاعة الفلسطينيّة مصطفى المحتسب، الذي استمع لعبد الفتاح سكر وهو يغنّي لحن محمد القصبجي «يا طيور» المعروف بصوت أسمهان، فأعجب بصوته وأدائه فعرّض عليه احتراف الغناء، وبعد أيام على ذلك اللقاء، تلقى عبد الفتاح سكر دعوة رسميّة من إدارة إذاعة القدس، ليغدو بين ليلة وضحاها مطرباً رسميّاً فيها، ويقدّم العديد من الألحان والأغنيات الناجحة: «إن كنت ناسي» و«شدو البلابل على الغصون»… إلّا أنّه سرعان ما وجد نفسه في صبيحة أحد أيام شهر أيّار/ مايو 1948 محمولاً مع بضعة عشر رجلاً في عربة بريطانيّة مصفّحة، توجّهت بهم إلى جسر اللنبي فألقت بهم هناك بعد أن أفهمهم الضابط البريطانيّ المسؤول بأن عليهم العودة من حيث أتوا، حيث قررت السلطات الإنكليزيّة طرد كل العرب من غير الفلسطينيّين إلى أقرب نقطة للحدود، وكان عبد الفتاح سكر واحداً من هؤلاء فعاد إلى دمشق ليبدأ من جديد في إذاعتها، وقد بقيت صورة تجربته في إذاعة القدس عالقة في ذاكرته ووجدانه طيلة حياته، على ما يَذكر نصري الجوزي.
ومن الفنّانين السوريّين الذين ترددوا على القدس وإذاعتها، كانت أسمهان، ومن قبل شقيقها فريد الأطرش، والمعروف أنّ فريد سجّل أغنية «يا ريتني طير» التي كان يحيى اللبابيدي قد لحنها لمطرب لبنانيّ، ثمّ غنّاها فريد واشتهر بها بعد أن سجّلها لأول مرة في استوديوهات “إذاعة القدس” مع مجموعة أغانٍ خفيفة ومواويل كانت بمثابة الانطلاقة لحياته الفنّيّة.
أما المطربة أسمهان، التي يقال أنّها “زارت القدس عام 1941 في مهمة استخباراتيّة سريّة مع المخابرات البريطانيّة”، فقد التقت أثناء إقامتها بعض العاملين في إذاعة القدس وكانت لها معهم صور تذكاريّة، ومنهم محمد عبد الكريم (أمير البزق) ، الذي يذكر أنّ أسمهان غنّت من ألحانه تانغو «آلام الطير» على الهواء من القاهرة لكنه لم يسجّل.
برامج الإذاعة؛ تثقيف وترفيه
كانت البرامج العربيّة في إذاعة القدس متنوّعة وغزيرة، إلّا أنّه لم يكن لها وقت كاف لإذاعتها جميعها لسببين: الأول هو تعدّد اللغات التي تبُثّ بها الإذاعة. وثانيها أنّ الجهاز الحكوميّ المشرف عليها والمتمثّل في الاحتلال البريطانيّ، كان يقوم بتضييق الخناق حول عمل طاقم الإذاعة وتقليص البرامج العربيّة كما كان يخضع العاملين العرب فيها لرقابة شديدة، ورغم ذلك فقد حظي المستمع العربيّ بنصيب وافر من البرامج التي كانت تبثّها الإذاعة، ففي ساعات الصباح مثلاً كانت تتلى آيات مختارة من القرآن الكريم من خلال مقرئ من المسجد الأقصى، ومن ثمّ نشرة الأخبار، ثمّ تبدأ برامجها المتنوّعة، ومن أشهر البرامج الثقافيّة التي كانت تذاع برنامج «الأحاديث الأدبيّة» الذي كان يقدّمه إبراهيم طوقان.
ومن البرامج الهامة أيضاً، برنامج «روايات تمثيليّة» الذي كان يشرف عليه الفنّان الراحل نصري الجوزي وفرقته التي تأسّست عام 1936، وكانت تقدّم فصولاً من مسرحيّات إذاعيّة، لقيت نجاحاً باهراً، وظلّت كذلك حتى عام 1947. وقد تحدّث الجوزي عن أسباب هذا النجاح، قائلاً: “قام الأستاذان الفاضلان إبراهيم طوقان وعجاج نويهض بدفع عجلة المسرحيّة الإذاعيّة إلى الأمام، فساعدا في التأليف والترجمة والاقتباس كما اهتما اهتماماً بالغاً بقواعد اللغة العربيّة وآدابها، ولفتا نظر كتّاب المسرحيّة إلى تراث الآباء والأجداد».
أما شقيقه جميل (كان ميلاده المسرحيّ كفنّان مع نشأة الإذاعة الفلسطينيّة)، فينسب له الفضل الأكبر في تقديم الرواية الإذاعيّة في شكلها الحاضر وتطعيمها بالموسيقى التصويريّة ووضعها في قالب مقبول ومحبب للجماهير، يستسيغه المستمعون، وقد شارك في كتابة وتمثيل العديد من التمثيليّات الإذاعيّة، حيث أخرج من ذلك الحين إلى عام 1948 أكثر من مائة فصل تمثيليّ إذاعيّ (كان كل فصل إذاعيّ يستغرق نصف ساعة إن كان مأساويّاً، وربع ساعة إن كان هزليّاً).
وقد ظلّ جميل يكتب ويترجم لدور الإذاعة في القدس ويافا ولندن حتى عام 1948.
ومن البرامج التي كانت الإذاعة تقدّمها في ساعات الظهيرة، برنامج «ما يطلبه المستمعون العرب»، حيث كانت تقدّم الإذاعة اسطوانات فونوغراف لمطربين فلسطينيّين وأحياناً من الدول العربيّة، ومنهم: محمد عبد الوهاب وزكريا أحمد وصالح عبد الحي والمطربة لوردكاش التي غنّت أغنيتها المشهورة «آمنت بالله» شخصيّاً في دار الإذاعة الفلسطينيّة عام 1939.
نكبة، فنكسة، فنهاية مأساوية
تعرّضت دار الإذاعة الفلسطينيّة إلى العدوان الصهيونيّ مرّات متعدّدة، فقد شنّت العصابات اليهوديّة أكثر من هجوم منذ إنشائها في 30/3/1936، وحتى انتقالها من القدس إلى رام الله في نيسان/ ابريل 1948، وكان أن تعرّض مبنى الإذاعة ما بين عامي (1936 – 1948) إلى القصف المتكرّر من المدفعيّة والدبّابات الصهيونيّة، تحت حماية وحراسة قوّات الاحتلال البريطانيّ، وهو ما جعل مدير الإذاعة في ذلك الوقت عزمي النشاشيبي، يضع خطة للطوارئ بحيث تبقى الإذاعة في حالة بثّ متّصل حتى يتم تركيب أجهزة البث الأخرى في رام الله، التي توجد فيها أساساً محطّة الإرسال والتقوية، مما أفشل الخطة الصهيونيّة القاضية بإسكات الصوت الفلسطينيّ عبر الأثير تحت حجج واهية.
ومع أول فصول نكبة 1948 وإعلان قيام الدولة العبريّة، قامت القوّات الصهيونيّة باحتلال مبنى الإذاعة كاملاً، ويذكر توفيق محمود الشاهد في كتابه «رحلتي مع المايكروفون»، أنّ “عصمت النشاشيبي حَمَل مع من حَمَل على ظهره أجهزة الإذاعة من مقرها في حي الطالبية في القدس إلى مدينة رام الله بعد أن تمّ احتلال مباني الإذاعة في القدس، وذهب بها إلى مكان أعمدة الإرسال في رام الله لينطلق صوت “إذاعة القدس” من هناك، ولتتابع الإذاعة الفلسطينيّة رسالتها بعد انهاء الاحتلال البريطانيّ.
وكانت السلطات الأردنيّة قد واصلت بثّ الإذاعة من رام الله وسمتها “إذاعة القدس العربيّة” والتي كانت تعرف أيضاً بـ”راديو رام الله”، إلّا أنّ الاحتلال القوّات الصهيونيّة للضفة الغربية في الخامس من حزيران/ يونيو1967 أنهى بثّ “إذاعة القدس العربيّة”، ليضغ بذلك نهاية لتجربتها ونشاطها الذي انطلق على أرض مدينة القدس في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين.