مع الثورة أو: مع الشعب الثوري

Chagal 2017, Think about Syria!, By DAALI, page: Syrian Revolution Arts

سلامة كيلة

كاتب ومفكر من فلسطين

الثوري في هذه الوضعية يسعى لإعادة بناء الثورة، ويطمح بأن يستطيع مساعدتها على الاستمرار، لا أن يريح ضميره بالقول أنها انتهت، أو أنها باتت "حرباً رجعية". نحن في بداية مسار ثوري، بدأ ولن يتوقف قبل أن يفرض التغيير الذي يخدم الطبقات الشعبية، هذا هو وضع كل الثورات العربية، وهو الوضع الذي يفرض علينا أن نعيد بناء التصورات، وأن نحدد الهدف الذي ترمي إليه، وكذلك أن نعيد تنظيم الحراك المجتمعي لكي يوصل إلى الانتصار.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

27/11/2017

تصوير: اسماء الغول

سلامة كيلة

كاتب ومفكر من فلسطين

سلامة كيلة

ولد في مدينة بيرزيت في فلسطين سنة 1955. كتب ويكتب في العديد من الصحف والمجلات وأصدر العديد من الكتب التي تتناول بشكل أساسي الماركسيّة. عمل في المقاومة الفلسطينية ثم في اليسار العربي ، ولازال ينشط من أجل العمل الماركسي العربي. مطلوب للسلطات الإسرائيلية بتهمة العمل المقاوم. اعتقلته السلطات السورية بعهد حافظ الأسد من سنة 1992 إلى 2000، واعتقلته السلطات السورية بعهد بشار الأسد لمشاركته في الثورة صيف 2012 وتعرض للتعذيب في المخابرات الجوية، ثم تم ترحيله من سوريا إلى الأردن.

يبدو أن تمييزاً يقوم بين الثورة وبين الشعب الذي قام بها، فهناك من يكون مع الثورة حين تحدث، وحين تتعثر أو يبدو أنها انتهت يتحوّل الموقف، ويجري تجاهل الشعب. كأن الشعب ليس هو الذي صنع الثورة، وكأن الثورة هي تجريد، يجري التهليل له حين يصبح واقعاً، لكنه هنا واقع مجرّد. حراك يبدأ فيجري التهليل، وينتهي فيُنسى الشعب. الشعب الذي صنع الثورة. بمعنى أن “حالة الثورة” هي التي تسترعي الانتباه، وتحظى بالتأييد، وليس الشعب ومطالبه، وظروفه، التي تظلّ خارج كل حساب وكل اهتمام. لهذا حالما يتحوّل ميزان القوى، أو يطغى شكل ما على الثورة، ينتهي التفكير في الثورة ذاتها، كونها انتهت. ربما ظهر ذلك في تونس ومصر، وفي اليمن وليبيا، فقد “انتصرت الثورة” لأن رئيس قد جرت تنحيته، ولا يهم هنا ماذا تحقق أو لم يتحقق للشعب. أو انتهت وتحوّل الأمر إلى “حرب أهلية“.

في سورية ظهر الأمر جلياً، حيث أن ثورة بدأت ضد النظام من طبقات شعبية، وطرح الشعار ذاته الذي تكرر في تونس ومصر. لكن تراكب عليها معارضة تافهة، سعت لجلب التدخل الإمبريالي، من أجل إسقاط النظام. ثم تراكب عليها مجموعات “مندسة”، مثل النصرة وداعش، وهي لم تكن من صُلب الثورة بل جرى استجلابها من الخارج من أجل تدمير بيئة الثورة. وأيضاً جرى العمل من دول إقليمية على تشكيل مجموعات سلفية )تأكيداً لخطاب النظام الذي اتهم الثورة بأنها تمثل مجموعات سلفية وإخوانية(، باتت تقوى بدعمها وبتسهيلات النظام، لتصبح قوة كبيرة. ودعمت دولٌ وميليشياتٌ النظام كي لا يسقط. وعبر ذلك جرى تدخل دول إقليمية، وعظمى، لتصبح هي المتحكم بالوضع كله.

في المقابل تراجع الحراك الشعبي إزاء وحشية النظام وعمليات التدمير والقتل والاعتقال التي مارسها، والتي دفعت إلى الانتقال إلى السلاح من قبل شباب كان يتظاهر بالأصل لتغيير النظام. وحيث جرى دعم هذا الميل العسكري من قبل دول إقليمية، ودفعه لكي “يحرر” المدن والقرى، التي باتت تحت نيران هائلة أدت إلى الدمار والتهجير والقتل. وإذا كان جزءاً من هؤلاء الشباب انتمى لمجموعات سلفية فقد ظل جزء آخر يقاتل بعيداً عنها، وضدها في العديد من الأحيان )خصوصاً ضد داعش والنصرة(. وعلى ضوء ذلك ظهر أن الثورة تحولت إلى عمل مسلح فقط، وأن المجموعات السلفية والإرهابية هي التي تسيطر في الواقع، وأن التأثير الخارجي كبير. لا شك في صحة كل ذلك، حيث ساعد كل من أراد تدمير الثورة في رسم هذا الواقع، من النظام ومن يدعمه، إلى الدول الإقليمية التي أرادت أن تفرض بديلها أو أرادت سحق الثورة، إلى أميركا التي أرادت تدمير المسار الثوري الذي بدأ من تونس.

أين ذهبت الثورة؟ وهل انتهت؟

بالتأكيد انتهت بزخمها الذي بدأت به، وبالشكل “السلمي” الذي انطلقت فيه، حيث كان التظاهر هو السمة الأولى، رغم استخدام النظام للسلاح الحي من أجل سحقها. وانتهت بالحجم الذي ظهرت فيه، خصوصاً خلال النصف الثاني من السنة الأولى، الذي شهد تزول ملايين إلى الشوارع، وإلى استخدام محدود للسلاح. ولقد قُتل مئات الآلاف، واعتقل مثلهم، وتشرّد ما يقارب نصف الشعب، نصف هؤلاء خارج سورية. وبات الإعلام يركّز على “الصراع” بين النظام وداعميه ضد داعش والنصرة، أو يجري إظهار الدور الكبير لجيش الإسلام وأحرار الشام وكل الكتائب الإسلامية. أو يجري التركيز على الكتائب من الجيش الحر التي تدعمها أميركا أو تركيا. ومن ثم يُلخّص الأمر بأن الوضع بات يتسم بالوقوف مع المجموعات السلفية والإرهابية أو مع النظام، رغم أنه لا المجموعات تلك مثّلت أو تمثّل الثورة، ولا النظام هو الذي يقاتل فعلياً، حيث باتت قواه هشة، ويعتمد على قوات إيران )بما فيها حزب الله، والميليشيا الطائفية العراقية(، وروسيا )بما في ذلك قوات على الأرض، و”شركات أمنية(“، وقتال كل هؤلاء لتلك المجموعات عابراً، لأنهم يركزون على قوى الثورة.

هذا هو ملخّص الوضع كما يظهر، ويتردد حتى من قبل قوى ثورية حقيقية، وليس فقط من قبل اليسار الممانع. ولهذا مالت قوى إلى دعم النظام بعد أن كانت تدعم الثورة، أو اعتبرت قوى أخرى أن الثورة انتهت، وأن ما يجري هو حرب رجعية. لا شك في أن “الحرب” ضد داعش هي حرب تدميرية، وكان في أحد أهدافها حرف مسار الثورة. وكذلك ستكون الحرب ضد جبهة النصرة، التي هي مبرر للقتل والتدمير. لكن روسيا تفاوض المجموعات السلفية، وتتفق معها، وهي جزء من الخطة الروسية لترتيب الوضع السوري، وليست عدواً، ولا قتال معها. كذلك لم يَعُدْ هناك صراع حقيقي بين الدول الإقليمية، حيث تتفاهم تركيا مع إيران، وروسيا، وتتفاهم السعودية والخليج مع روسيا. حتى أميركا، ورغم تصاعد الصراع مع روسيا، تميل إلى التوافق في سورية، ولقد وصلت إلى ما يشبه التوافق. كل ذلك في سياق الحديث عن حل سياسي للوضع السوري، وبالتالي فإن الدول التي كانت توضع في مواجهة باتت متقاربة، وتسير الأمور إلى توافق دولي إقليمي لطبيعة الحل، الذي يكرّس روسيا قوة مسيطرة. وإذا تناولنا المعارضة فقد باتت خاضعة تماماً لقرارات الدول الإقليمية، تركيا، السعودية، وقطر.

بالتالي فإن هذه “الحرب الرجعية” ليست حرباً أصلاً، رغم الإظهار الإعلامي لها بأنها حرب “حقيقية”. وأن الأمور تسير نحو ترتيب يكرّس احتلال روسيا لسورية، بعد أن تحصلت من النظام على اتفاق يضمن وجود القاعدة البحرية مدة 99 سنة، وقاعدة حميميم لمدة 49 سنة.

لكن هل أن هذا هو كل الوضع؟

هذا هو الجزء الظاهر من الوضع، وهو الجزء المدان، والذي جرى الشغل عليه من أجل تدمير الثورة. هل انتهت الثورة؟ بالتأكيد، بالمعنى الشكلي نعم، لكن في الواقع لا، كما كل الثورات في البلدان العربية، التي همدت، وتحوّلت إلى حراك طبقي، واحتقان، ينذر بثورة جديدة. فقد انتهت موجة وهناك موجات أخرى. في سورية لا زال هناك من يقاتل انطلاقاً من مبادئ الثورة، ربما عددهم أقل، لكنهم موجودون، وهناك من يتظاهر ضد النظام والمجموعات الإرهابية )النصرة خصوصاً كونها تسيطر على مناطق هي خارج سيطرة النظام وكانت مع قوى الثورة(، وكذلك هناك احتقان عام ليس فقط لدى اللاجئين أو الذين تظاهروا ضد النظام، بل كذلك لدى الجزء الذي كان يعتبر “مؤيداً” للنظام بعد أن فقد الكثير من شبابه، وبات يتعرّض لتشبيح المجموعات، غير النظامية، التي شكّلها النظام. وهناك وضع عام لا يقبل باستمرار النظام الحالي )أي بشار الأسد ومجموعته(، ولن ينجح حل سياسي إذا ما استمر. وهذا لا يشمل الشعب الذي شارك في الثورة بل كذلك من جرى اعتبار أنهم مؤيدو النظام.

هنا يكون موقع الشعب، حيث أنه لا زال يريد تغيير النظام. لقد تراجعت فاعليته بالتأكيد، وبات يعاني من أعداء كثر، من النظام وداعميه، إلى داعش والنصرة، إلى المجموعات السلفية، والعصابات. ومن ضغوط الدول الإقليمية كذلك. ألا يستحق هذا الشعب الذي بدأ الثورة كل الدعم، وإظهار موقفه، والتأكيد على استمراره في الثورة؟ يمكن أن نقول بأن الثورة انتهت، لكن الشعب لا زال يريد التغيير بمعزل عن كل القوى التي إدعت أنها معه، وبمعزل عن المجموعات الإرهابية والسلفية، فماذا يمكن أن يكون موقف ثوريٍ يريد التغيير؟ هل يعتبر أن الصراع هو صراع “رجعي” وكفى الله المؤمنين شراً ويريح ضميره بالقول أن الثورة انتهت؟

هنا يتحدد التمييز بين “الدعم الخارجي” لثورة ما، وبين أن يكون الثوري مع الشعب قبل الثورة، وخلالها، وبعدها. بمعنى أنه مع الشعب بالأساس، وضد الطبقة المسيطرة في كل الأحوال. إن موقعه مع الطبقات الشعبية قبل وبعد. وحين يضعف موقعه في الصراع يبحث عن السبل التي تعيد بناء الصراع لمصلحة الشعب، ضد النظام، وكل من يطرح ما يناهض منظوره ومطالبه، وكشف “الحرب الرجعية” التي تخاض على حسابه. وفي الصراع ليس هناك أحادية في التناقض بل تعدد، لهذا ليس اختلاف، أو تناقض، قوى مع النظام يفرض التحالف معها، بل يمكن الصراع معها لأنها ضد مصالح الشعب. وبالتالي يجب الانتقال هنا من المنظور الأحادي إلى التعدد، من التناقض بين طرفين إلى تناقض متعدد الأطراف. أي أن يخوض صراعاً ضد قوى متعددة، ربما هي متناقضة، لكنها كلها ضد الشعب، وضد مطامحه.

وفي سورية، هناك الشعب الذي يخضع لسيطرة النظام، والذي يعاني من انهيار اقتصادي، وقمع شديد، وحرب لا يلمس أنها تخصه بل بات واضحاً أن هدفها هو الحفاظ على النظام، الذي أهلك عشرات آلاف الشباب في حربه هذه. وهناك الشعب الذي هو خارج سيطرة النظام، والذي أراد إسقاط النظام فوجد أنه بات يُحكم من قبل مجموعات إرهابية سلفية، ومن زعران وشهوانيي سلطة، وعصابات، وكتائب متناحرة. ولهذا بات يصارع ضد النظام، لكنه في الواقع يواجه هذه المجموعات، ويتظاهر رافضاً سيطرتها واقتتالها، وتجاوزاتها. ومن ثم هناك المهجّرون، داخل سورية وخارجها، وهم أكثر من نصف السكان، وهم ضد النظام الذي دمّر بيوتهم وقتل أهلهم، وكان سبب لجوئهم. كل هؤلاء ضد النظام، وضد كل ما تراكم على الثورة من قوى متصارعة أو متحالفة. فهل يمكن ألا نكون مع الشعب وضد النظام، وكذلك ضد كل تلك القوى التي عملت على سحق الثورة أو تخريبها؟ وألا نكون معنيين بفضح أدوار الدول والقوى التي عملت على ذلك، ومع الشعب في إعادة تنظيم ثورته؟

الثوري في هذه الوضعية يسعى لإعادة بناء الثورة، ويطمح بأن يستطيع مساعدتها على الاستمرار، لا أن يريح ضميره بالقول أنها انتهت، أو أنها باتت “حرباً رجعية”. نحن في بداية مسار ثوري، بدأ ولن يتوقف قبل أن يفرض التغيير الذي يخدم الطبقات الشعبية، هذا هو وضع كل الثورات العربية، وهو الوضع الذي يفرض علينا أن نعيد بناء التصورات، وأن نحدد الهدف الذي ترمي إليه، وكذلك أن نعيد تنظيم الحراك المجتمعي لكي يوصل إلى الانتصار. الشعب في سورية كما في تونس ومصر والمغرب واليمن والعراق والجزائر..ألخ، يريد التغيير، لهذا لم تنته ثورته، لقد بدأت رغم كل ما ألقي عليها من دول وقنابل واستجلب لكي يسحقها من كل أسقاع الأرض.

هذه هي الثورة التي ندعمها، والشعب الذي نقاتل به ومن أجله.

الكاتب: سلامة كيلة

هوامش

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
عن السيرورة والصيرورة

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع