داخل جناح مشيخة الأزهر الشريف، قسّم مسؤولو الجناح المكان إلى قاعات مخصصة لمركز الأزهر للترجمة، وقطاع المعاهد الأزهرية، وقاعة ثالثة بعنوان “2018 عام القدس” وقاعة رابعة خصصوها لمكتبة الأزهر، حوت كتباً قديمة مخصصة للعرض فقط، تفوح منها روائح الطابع الأثري الذي يمثل المخطوطات المهمة، كما حوى الجناح قاعة للندوات، وقاعة لمنشورات المشيخة المخصصة للأطفال مثل مجلة نور، ومجلة الأزهر، والرابطة العالمية وخلافه.
ناشر بلا كتب، يُخصص له أفخم دور النشر، وناشرون بأعمال قيمة ومهمة، يغرقون في وحل الأمطار، داخل خيام رثة بالية، أو أكشاك صدئة حديدية، وربما ما يجسد معاناة الناشرين مع هذه الخيام الرثة والبالية، تعرضهم هذا العام، للواقعة التي يشهدها معرض الكتاب كل عام، وهي هطول الأمطار الغزيرة، وإغراقها لكتب الناشرين المكدسة في أجنحتهم، أسفل هذه الخيام، تكررت الواقعة هذا العام، وكأنها تحدث للمرة الأولى، واستقبل الناشرون الواقعة بنفس مشاعر الغضب التي يستقبلونها كل عام، العجيب هنا أن ردود الأفعال لا تخرج عما يبديه مسؤولو هيئة الكتاب، وأرض المعارض كل عام، المزيد من الوعود مثل كل عام بتعويض المتضررين. لماذا لا تُحل المشاكل من جذورها..؟ لماذا لا يُوضع الناشرون في أماكن آدمية تليق بصناعة النشر وبيع الكتب في مصر؟ لماذا يتم تخصيص الخيام الرثة البالية للناشرين، والقراء، وتخصيص الأجنحة المبنية بالأسمنت والحجارة والمزخرفة بالنقوش الإسلامية الهندسية والمطلية بأروع الألوان “السايبس” أو “اليوتن” لمشيخة الأزهر وحدها، ولأجنحة السعودية الهائلة، التي تزينها صورة الملك سلمان الضخمة..؟
وربما استرعى انتباه شعار المعرض “القوى الناعمة.. كيف..؟ وهو السؤال الذى بدا مقلوبا، حيث خصص منظمو المعرض محاور للغناء والفن تزامنت مع تولي أول سيدة منصب وزارة الثقافة في مصر، وندوات حضرها محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي المصري، الذي قال أن الرياضة المصرية هي إحدى عناصر القوى الناعمة، بدا الشعار تائهاً، وسط مسيرات الإنشاد الديني التي نظمها طلاب المعاهد الأزهرية، وكذلك استضافة المنشدين الدينيين المشهورين، في محاولة لإضفاء طابع “المولد” على فعاليات ثقافية المفترض أنها مخصصة لدفع حركة النشر في القاهرة إلى الأمام، بعد ارتفاع مباغت لخامات الورق، ومواد الطباعة إثر تحرير سعر صرف الجنيه المصري نوفمبر 2016.
كل شيء في المعرض هذا العام ربما يكون مُعاداً، لكن مع بعض اللمسات التي أضفت تجديداً على طابع الأنشطة، ومن ذلك تخصيص مسرح مكشوف للأعمال الفنية، يستضيف فقرات غنائية لفرق كورال الأطفال يستعرضون فيها مواهبهم النامية الصغيرة، ذلك أحد الملامح المشجعة في دورة هذا العام، التاسعة والأربعين، ملمح آخر من الملامح المثيرة للأمل في تحديث المعرض وتخطيه عوائق البدائية والفوضى، أن هيئة الكتاب تطبع منشوراً يوميا بخارطة نشاطها الكبير، يتضمن كافة المعلومات مقسمة بالساعات، وهو ما يفوّت الفرص على أي تائه ويمنحه إرشادات مكتوبة ليجد بغيته بسهولة، وسط الكم الهائل من الزحام، والنشاط الكبير الذي تنظمه دور النشر الخاصة، لكُتابها.
على صعيد ضيف الشرف، استضافت اللجنة المنظمة لمعرض الكتاب في دورته الحالية، دولة الجزائر الشقيق، ليكون ضيف شرف المعرض، الاستضافة جاءت للوجوه الرسمية المعروفة في الجزائر، برز منها اسم الروائي الجزائري واسيني الأعرج، وغابت كالعادة الأسماء الجزائرية الشابة، وخصصت إحدى دور النشر المصرية الخاصة وتدعى “تشكيل” برنامجا لشعراء جزائريين شبان، تحدثت منهم الشاعرة حليمة قطاي لـ “رمّان” مشيرة إلى أنها جاءت على نفقة الناشر المصري سيد شعبان، مدير دار تشكيل، الذي تكفل بأمور سفرها، وإقامتها بالقاهرة، وكذلك هو صاحب برنامج أمسيتها في القاهرة، التي تضمنت مشاركة في معرض الكتاب، ومشاركة بأمسية أخرى في متحف أحمد شوقي “كرمة ابن هانئ“.
“رمان” تواصلت مع سيد شعبان، الذي تحدث عن جهوده المستقلة لاستقدام شعراء جزائريين شبان، على هامش معرض الكتاب، مؤكداً أنه يعزف منفرداً بعيداً عن وزارة الثقافة المصرية.
اللافت في البرنامج الثقافي لضيف الشرف، المخصص للجزائر، أن الندوات مخصصة لموضوعات من قبيل: الكتابة النسوية في الجزائر، إشكالية الرواية التاريخية، دور الجزائريين في حركات التحرر خلال القرنين 19 و20، وتبادل الخبرات مع الناشرين الجزائريين، بينما غاب عن فعالية ضيف الشرف أسباب احتفاء مصر بالجزائر غير المعلنة، فوسط ترجيحات أن الأسباب تتمثل في تدخل الجزائر لإنقاذ مصر من أزمة البترول التي سببها قطع أرامكو السعودية الشحنة المقررة عام 2016، فأرسلت الجزائر 30 ألف طن سولار بعد قطع البترول السعودي، وغضب المملكة على مصر بسبب موقفها من سوريا، كما ساعدت الجزائر مصر عام 2014 بشحنات من الغاز المسال، كل هذه الأسباب ظلت خفية عن أسباب حلول الجزائر ضيف شرف المعرض، وتاهت بين ندوات عناوينها غامضة، تخلو من أية إشارة للتقارب السياسي بين البلدين، باستثناء ندوة تحدد موعدها بالسابع من فبراير، حملت عنوان: مصر والجزائر وتاريخ غير كروي” أي أن الكلام سيكون بصيغة الماضي ، لكن هذا لا يمنع، أن القائمين على المعرض بينما يبنون أجنحة فاخرة للسعودية والأزهر في قلب المعرض، يديرون ظهورهم للحليف الأفريقي الذي يتدخل كل مرة لإنقاذ مصر من غدر الصحراء.