وأنا أقرأ مجموعة شيراز عناب «أريد حذاء يتكلم»، 2012، تذكرت مجموعة محمود شقير «طقوس للمرأة الشقية»، 1985، وثارت لدي أسئلة عديدة أولها: هل يحوز للناقد أن يقارن بين مجموعتين بينهما ما يقارب الثلاثين عاماً، مجموعتين إحداهما هي الثالثة في نتاج الكاتب وثانيتهما هي الأولى في نتاج الكاتبة؟
كان يمكن أن يقارن المرء بين المجموعة الأولى لمحمود شقير «خبز الآخرين»، 1975، التي كُتبت ست من قصصها السبع قبل حزيران 1967، وبين مجموعة شيراز لينظر في بدايات القاصين فيكون أكثر إنصافاً.
وعلى الرغم مما سبق فإن القارئ يجد مسوغاً ليقارن بين «طقوس للمرأة الشقية» و«أريد حذاء يتكلم» إذا ما قصر المقارنة على الموضوع، غاضاً الطرف عن الجوانب الفنية للمجموعتين. إن المقارنة بينهما اتكاءً على الشكل الفني ستكون ظالمة لشيراز فهي ما زالت تدرّب أصابعها على الكتابة وهذا ما أنجزه شقير الذي تدرب من قبل وأخذ يبحث عن شكل جديد باستمرار.
الموضوع والموضوع نفسه يمكن أن يشجع المرء على كتابة وثانية وثالثة، لا اللغة ولا البناء الفني ولا تراكم التجربة في الكتابة.
«طقوس للمرأة الشقية» و«أريد حذاء يتكلم» تعبّران عن هموم المرأة ومعاناتها وقد صدرتا عن كاتبين مختلفين فكرياً؛ فشقير يساري الأفكار وشيراز ليس لها في السياسة اهتمام واضح بيّن. كيف يمكن إذن إجراء مقارنة؟
خصّص شقير مجموعته القصصية للكتابة عن المرأة وعبّر عن هذا من خلال سارد كلي المعرفة ينطق هو وحده غالباً ونادراً ما نصغي إلى صوت الشخصيات تتكلم.
وخصّصت شيراز مجموعتها لتعبّر عن هموم المرأة في مجتمع شرقي. ثمة صوتان إذن؛ صوت ذكوري يكتب عن الأنثى وصوت نسوي يكتب عن النساء، وكلا الصوتين مهموم بهم المرأة. وإن كان هناك فارق فيتمثل في حجم القصص ووجود الحوار أو انعدامه.
لا يترك شقير لشخوصه المجال ليعبّروا عن أنفسهم أو ليبدو رأيهم فيما يخصهم، وهذا لا يتلمس في قصص عناب التي تترك للمرأة هامشاً تعبّر فيه عن حياتها وأفكارها.
يقتصد شقير في قصصه في كل شيء واقتصاد شيراز أقل وإن كانت قصصها تعد قصصا قصيرة جداً.
وفي الوقت الذي يحضر فيه المنفى والواقع الفلسطيني في بعض قصص شقير تخلو منه هذه في قصص شيراز، فالكتابة هنا تكاد تكون معدومة. المرأة في قصص شقير شقية، وهذا ما يقوله العنوان، والمرأة في قصص شيراز تبدو قلقة معذبة تعاني غالباً.
قصص شيراز
تقص شيراز قصص المرأة في عذاباتها ومعاناتها وأحلامها وآمالها وآلامها وطموحاتها ونجاحاتها وإخفاقها وتمردها وغالباً ما تترك لها المجال لتتكلم ولا يكون ساردها سارداً كليّ المعرفة عليماً له سطوة وسيطرة.
وتقص شيراز عن عالم المرأة من قلب معاناة المرأة. كما لو أنها عين داخلية ترصد المجتمع النسوي. لننظر في بعض العناوين ولنرَ الدلالات.
هذا ولدي – ذات الخمار الأسود – لست من النساء – أريد أن أكون عروساً – قارئة الكف – شاشة خديجة – الفستان الأسود – العجينة والخباز – أحببت عجوزاً.
والعناوين تحفل بما هو أنثوي، فهل كانت كذلك في قصص شقير؟ لننظر في بعض العناوين لديه:
لؤلؤ – عزلة – اشتباك – جثة – لا أحد – طقوس للمرأة الشقية – قلب – اجتماع… الخ.
إن عناوين قصص الكاتبة أقرب إلى عالم المرأة فيما ليس الأمر كذلك في قصص شقير. أيعود الأمر إلى هوية الكاتب من حيث الذكورة والأنوثة؟ الأمر يحتاج إلى إمعان نظر حقاً.
المرأة في قصص شيراز تريد أن تكون عروساً وهي ليست كالنساء الأخريات، وهي تحب عجوزاً وهي تنظر إلى المرأة من منظورين أو أكثر. تتمرد المرأة في قصة وتثور لأنها تشعر بالاختلاف، وفي قصة ثانية تواصل تمردها ولا تأخذ بنصيحة أمها فترفض أن تكون عجينة يشكلها الرجل كما يريد.
في «لست كالنساء» ترفض المرأة أن تكون امرأة تقليدية تجلس في البيت وتعيش حياة تقليدية، وفي قصة «أريد أن أكون عروساً» تعبّر عن حاجتها واحتياجاتها. والقصة الطريفة هي قصة «العجينة والخباز».
حتى ترتاحي يا ابنتي كوني عجينة بيد الرجل ليخبزها كما يشاء. هكذا تنصح الأم ابنتها، ولكن البنت ترفض أن تكون كذلك يشكّلها الآخرون. هل يمكن القول إن قصص المرأة الكاتبة عن المرأة هي أنسب لقراءة واقع المرأة من القصص؟
الأمر يحتاج إلى إمعان نظر حقاً.