التفت الأدباء الفلسطينيون بعد العام 1948 إلى المدن الفلسطينية التي ضاعت منهم بسبب حرب 1948 أكثر من التفاتهم إلى بقية مدن فلسطين الأخرى مثل القدس وغزة ونابلس والخليل. وهكذا حضرت يافا وحيفا وعكا ومدن أخرى قليلة.
وإذا ما ألقى المرء نظرة على قصائد شعراء النكبة وأبرزهم عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) فإنه يلاحظ هذا بسهولة.
ويمكن القول إن تلك الصورة برزت في الشعر أكثر مما برزت في أجناس أدبية أخرى كالقصة القصيرة أو الرواية، على ضعف هذين الجنسين الأدبيين، وأما السيرة الذاتية والمسرحية فإن المرء يطمئن وهو يصدر حكماً بانعدام هذا الحضور انعداماً شبه كلي وذلك لانعدام السيرة والمسرحية المكتوبة تقريباً قبل 1967.
إن البحث عن صورة المدينة في الأدبيات الفلسطينية قبل 1967 يكاد يقتصر إذن على الشعر.
وحتى مدينة مهمة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وهي القدس فإن حضورها ظل قليلاً وشبه باهت، ولم يسطع ظهورها في الأدبيات الفلسطينية والعربية أيضاً إلا بعد وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي في 1967، ولفترة طويلة ظل حضورها مقتصراً على الشعر بالدرجة الأولى ومن ثم الرواية، كما هو في روايات جبرا إبراهيم جبرا ونبيل خوري في ثلاثيته التي منها «حارة النصارى».
لم يكن حضور بقية المدن الفلسطينية المحتلة بعد 1967 حضوراً لافتاً ومميزاً يلفت أنظار الدارسين، وإن حضرت أسماء هذه المدن في عناوين بعض الأعمال الأدبية أو في عناوين بعض القصائد.
ارتبط اسم علي الخليلي بنابلس «نابلس تمضي إلى البحر» واسم غزة بمعين بسيسو «يوميات المقاومة في غزة» واسم عز الدين المناصرة بالخليل «يا عنب الخليل» واسم وليد سيف بباقة «وشم على ذراع خضرة» و..و..
ومنذ 1987 ستحضر القدس بقوة وتظهر في عناوين بعض الروايات كما في رواية عيسى بلاطة «عائد إلى القدس».
طبعاً التفت إلى رام الله التفاتاً بارزاً منذ إقامة السلطة الفلسطينية وأخذ اسم المدينة يظهر في عناوين روايات وأعمال نثرية عديدة، مثل «رأيت رام الله» و«لا ملائكة في رام الله» و«رام الله الشقراء» و«جريمة في رام الله» و«شارع فرعي في رام الله» و..و..و..
شغلني هذه الأيام حضور نابلس تحديداً في الأدبيات الفلسطينية كما لم يشغلني من قبل. هل كان للمدينة حضور لافت في أشعار إبراهيم طوقان أو حتى في أشعار أخته فدوى؟
ربما ورد اسم المدينة في شعريهما، بل إنه ورد بالتأكيد، ولكن حضور نابلس اللافت كان في روايات سحر خليفة أكثرها وفي السيرة الذاتية لفدوى طوقان، بخاصة الجزء الأول «رحلة صعبة… رحلة جبلية» وفي هذا الجزء كتبت فدوى عن مدينتها كما لم تكتب في أشعارها وأظن أن طبيعة النثر ساعدتها أكثر.
تبقى أعمال سحر الروائية «الصبار» و«عباد الشمس» و«باب الساحة» و«ربيع حار». وفي أعمال سحر وسيرة فدوى يجد المرء وهو يبحث عن نابلس ضالته.
ما سبق لا يعني أن الكاتبتين فقط هما من كتبتا عن نابلس وأبرزتا لها صورة تفصيلية فقط. هناك أدبيات أخرى كثيرة لم يكن لمؤلفيها حضور أدبي بارز مثل الحضور الذي حققته الشاعرة والروائية.
يعد كتاب مالك فايز المصري «نابلسيات» من أهم الكتب التي صورت عادات المدينة وتقاليدها، وقد عرف الكتاب في نابلس معرفة جيدة. ويعد كتاب الدكتور هاشم رزق المصري «حكايا المدينة» كتاباً جيداً أيضاً. كلا الكتابين له قيمة اجتماعية عالية جداً لمن يريد أن يدرس صورة نابلس في الأدبيات الفلسطينية.
هل ثمة أصوات أدبية أخرى؟
بالتأكيد هناك أصوات أدبية أخرى عديدة ولدت في نابلس وكتبت عنها ولعل أبرزها علي الخليلي في شعره وسيرته الذاتية «بيت النار».
الموضوع يستحق أن يدرس ولعل ما جعلني أفكر في الكتابة فيه هو قراءتي لرواية جمال أبو غيدا «خابية الحنين» ولعلني سأقارب صورة نابلس فيها في مقالة خاصة.