تتصدّر الولايات المتحدة الأمريكية، وإلى جانبها دول أوروبية، المشهد العالمي في دعم إسرائيل في حرب الإبادة على غزة، بصورة باتت تدين الغرب بالتواطؤ على خلفية القتل الجماعي وإبادة المكان بمعطياته الحضارية والثقافية والاجتماعية والجغرافية كافة. وفي إثر الإبادة، أخذت جنوب أفريقيا مهمة محاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدولية بدعوى ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، استجابة لمأساة الفلسطينيين، وعقب سابقة تاريخية، عانت خلالها جنوب أفريقيا الاستعمار الأوروبي والفصل العنصري وهيمنة الأبيض، حتى انتهت بدستور جديد وانتخابات فاز بها نيلسون مانديلا في عام 1994، ما سيسجله التاريخ من مواجهة بين أحفاد نيلسون مانديلا وإسرائيل، التي تنوب عن حلفائها في الدور الاستعماري في الشرق الأوسط.
تُعدّ إسرائيل أعتى قوة استعمارية إذا ما نُظر إليها على أنها قوة استعمارية تضمّ خلفها دولًا عدة دعمتها باكتساب شرعيتها من خلال الصهيونية، حتى جعلت منها ضحية، وشرّعت لها قتل الفلسطينيين حدّ الإبادة، منذ عام 1948، وصولًا إلى الإبادة الحالية في قطاع غزة. وعليه، فإن الاستعمار يلخَّص بثلاث قوى لا تنفصل عن بعضها على امتداد التاريخ: أولها أوروبا التي بنت نفوذها الوجودي على تشريع التمدّد الاستعماري والإبادات والتطهير العرقي؛ وثانيها الولايات المتحدة التي استمدت وجودها من إبادة السكان الأصلانيين، أو ما أسماهم الأوروبيون بالهنود الحمر، وهي تسمية عنصرية حطّت من حقهم في الوجود، وشرّعت قتلهم بصورة مرادفة لأدوات الإبادة المستخدمة على الفلسطينيين اليوم، ومن ثم بناء إرثها الحضاري على ممارسة العبودية بجلب الأفارقة وقتلهم إذا ما خالفوا طاعة الرجل الأبيض، أو حاولوا التمرّد؛ وثالثها الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين الذي يجب ألّا يُحصر بإسرائيل دون كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا إذا ما نُظر للوجود الإسرائيلي على أنه تكريس للهيمنة الأوروبية والأمريكية على الشرق الأوسط.
يتّجه بنا ذلك لقراءة التاريخ الاستعماري وحقيقة الوجود الغربي الذي توصّل إلى ضرورة صناعة حليفته، إسرائيل، وكذلك قراءة الاستقلال - الذي لا يتجاوز الشكلية – باعتباره مرادفًا للاستمرارية الاستعمارية، وهو ما يضع حالة استقلال الوطن العربي مقابل الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين محطّ إعادة تكريس للاستعمار على كامل الجغرافيا، في ظل مطامع الغرب السياسية والاقتصادية والاستراتيجية وامتلاك مركز القوى العالمية.
وقفة عند رواية "جذور"
تُعدّ رواية "جذور" (1976) للكاتب أليكس هايلي من الروايات التاريخية التي عُدَّت مرجعًا لقراءة جذور ولادة الولايات المتحدة الأمريكية وتاريخها الأسود في ممارسة العبودية، إذ كشفت حقبة تاريخية مهمة، تتمثّل في خروجها من العدم الوجودي إلى أكبر قوة تمارس الاستعمار والهيمنة، وهو ما تأسّس على تجارة العبيد وتكريسهم لتكوين الاقتصاد والوجود الأمريكي. ارتكزت الرواية بشكل أساسي على روايات شفاهية متوارثة عن الأجداد، وصلت إلى كاتب الرواية بالسرد الشفاهي عن أجداده ذوي الأصول الأفريقية، ما دفعه لكتابة إرث عائلته التي كانت ضحية من ضحايا العبودية على أرض الرجل الأبيض، وجزءًا من تاريخ طويل من ممارسة الإبادة بحقّ الأفارقة الذين جاؤوا قسرًا إلى أمريكا، وهو ما يضفي على الرواية الجانب التاريخي الواقعي ضمن فضاء روائي فني، ارتكز فيه الكاتب على التخيّل باعتباره ميزة إبداعية لسدّ الثغرات وإضفاء الأدبية على عوالم النصّ.
تقع الرواية في جزأين؛ يتمحور الجزءالأول حول كونتا كونتي، بطل الرواية، والابن الأكبر لأبيه، وحياته التي يحبها ويفقدها بعد أن يختطفه تجّار العبيد على متن السفن المتّجهة إلى أمريكا، إذ تكشف الرواية الوجه الوحشي للرجل الأبيض باستعباد الأفريقي وإذلاله والسعي لبرمجته. وتظل معاناة كونتا كونتي ورفضه للحياة على أرض الرجل الأبيض وحلمه بالعودة محور الجزء الأول، إلى أن يفقد الأمل، ويبدأ بالتأقلم، فيتزوّج وينجب ابنته "كيزي" التي تُباع بعيدًا عنه، بعد أن يعرف سيدها قدرتها على القراءة والكتابة. أما الجزء الثاني، فيبدأ بمعاناة كيزي التي يغتصبها سيدها الجديد الذي بيعت له، ويبقى حلم العودة لوالديها ومعرفة مصيرهما غير ممكنٍ، حتى وفاتها. لكنها تقدّم معروفًا لأبيها الأفريقي، كونتا كونتي، الذي حدّثها مطوّلًا عن جذورها الأفريقية؛ بلده وحياته التي حُرم منها منذ أن أُخذ عنوةً من أرضه، لتحدّث أبناءها عن جدّهم وتوصيهم برواية قصته، وصولًا إلى الكاتب أليكس هايلي الذي يكشف حياة جدّه السابع كونتا كونتي ومعاناته على أرض الرجل الأبيض.
تُعدّ الرواية ذات أهمية تاريخية في الكشف عن الحقائق الوجودية للولايات المتحدة الأمريكية التي استدرجت السود للمشاركة في الحرب الثورية الأمريكية التي قامت بين بريطانيا العظمى ومستعمراتها الثلاث عشرة على الساحل الأمريكي، إذ أعلنت المستعمرات تمرّدها على القوى البريطانية، حتى استقلت في عام 1776، ليُعلن قيام ما يسمى اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية. ويُذكر هنا أن استدراج السود للمشاركة بالحرب كان قائمًا على وعدهم بمنحهم حريتهم بعد الاستقلال، وهو ما جعل أعداد المشاركين فيها من السود يفوق عددهم من البيض، كما كانت الخسائر بينهم أكبر. علمًا أن ذلك لم يفضِ إلى منحهم حريتهم، وإنما أصبح الأبيض أكثر إمعانًا في استعباد الأفريقي وإخضاعه.
لم يُعرف الأفارقة بمناهضة الاستعمار على أرضهم فقط، كما في حالة جنوب أفريقيا التي قاومت الاستعمار والفصل العنصري الذي استمر طويلًا على أراضيها، وإنما لهم تاريخ مناهضة طويل للمستعمِر على أرض الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ منذ إدراك الأفريقي لوحشية الأبيض الذي استغله وجعل منه قربانًا لبناء حضارته. لم يقبل السود العبودية التي فُرضت عليهم باعتبارها شكلًا من أشكال الممارسة الاستعمارية، غير أنه لم يكن لديهم أي خيار للمقاومة على أرض الرجل الأبيض. وتُعدّ شخصية كونتا كونتي التي تقوم عليها الرواية شخصية حقيقية، اكتسبت زخما في التراث الأمريكي باعتبارها شخصية مقاومة للعبودية، وشاهدة على سياسة أمريكا العنصرية والوحشية ضدّ السود منذ قرون.
من كونتا كونتي إلى نيلسون مانديلا
يُعد كونتا كونتي النموذج الأفريقي المبكّر في مناهضة الاستعمار الغربي المبني على التمييز العنصري والعبودية تجاه الأفريقيين؛ إذ عاش ومات وهو يرى في أفريقيا، وتحديدًا قريته جامبيا التي اختُطف منها طفلًا، نموذجًا للحياة البسيطة والقيم الأخلاقية والرِّفعة التي نشأ عليها، تلك القيم التي استهدفها الرجل الأبيض بهدف الإخضاع من خلال المعاملة التي تحتقرهم وتجرّدهم من بشريتهم.
يعود فرانز فانون في دراسته لسايكولوجيا الاستعمار إلى أن المستعمر الغربي تعمّد تغذية الجانب النفسي له على تشريع القتل والتعذيب والإخضاع، وفرض قوى عقلية وفكرية على المستعمَرين، بهدف هندسة البُعد السيكولوجي عند فئة الأفارقة ونزع ثقتهم بهويتهم الحضارية والتراثية، وتعزيز حاجتهم إلى المستعمِر، وذلك ضمن سياق اجتماعي جماعي لا يتعامل مع الأفارقة بصفة فردية، وإنما باعتبارهم فئة جماعية يمارَس عليها العنف بهدف الإخضاع (١).
حاول كونتا كونتي الهروب مرارًا وتكرارًا بعد أن أخذته السفن الأمريكية بعيدًا عن أرضه، ظانًا أنه كلما ركض سيعاود الوصول إلى وطنه الذي حاول مسك ترابه وهو يصارع خاطفيه، إلّا أن نتيجة هذه المحاولات تنتهي بتعذيبه وتبتر قدمه.
يُعدّ كونتا كونتي واحدًا من ضحايا العنصرية والاستعباد الأمريكي، إذ جسد المعاناة التي عاناها السود على أرض البيض قرنين من الزمن، إلى حين إعلان أبراهم لينكولن تحرير العبيد في عام 1863. جاء ذلك بعد معاناة طويلة شملت أعمالًا وحشية جسّدتها ثقافة الرجل الأبيض، تمثّلت في تعذيب السود واغتصابهم وقتلهم على مرآى من الآخرين، والتمثيل بهم، على الرغم من خضوعهم، بهدف بناء رهبة المصير إذا ما حاول أيٌّ منهم التمرّد. إلّا أن تلك الوحشية دفعت باتجاه وعيهم بأحقيتهم في الحياة الكريمة، حتى تمرّدوا، ما برر شرعية العنف المضاد ردًا على العنف الممارس لانتزاع الحق في الوجود الإنساني، إذ يُذكر أن أكبر تمرّد للسود حدث في كارولينا الجنوبية في عام 1739. وعلى الرغم من تعنّت البيض وقمعهم للسود الذي وصل حد حرقهم وشنقهم، فإن ذلك لم يثنهم عن إدراكهم لأحقيتهم في التحرر، حتى نالوه.
وفي الوقت الذي شقّت فيه أمريكا وجودها على حساب العبيد الذين انتزعتهم من أوطانهم في أفريقيا، كان هناك امتداد استعماري يحدث على أرض أفريقيا ذاتها، بإخضاع الأفريقي لسياسات الاستعمار والفصل العنصري على أرضه نفسها، في مفارقة بين عالمين؛ العالم الأمريكي الجديد الذي كان أشبه بأرض قاحلة ازدهرت بفعل العبودية وتكريس السود لخدمة البيض وعمارة الأرض، وأفريقيا، أرض الذهب ومقصد الخيرات التي أرادها الغرب رافدًا لبناء مملكته الاستعمارية الكبرى. وكما وُلد في الأراضي الأمريكية البعيدة كونتا كونتي أيقونةً أفريقيةً للمقاومة على أرض المستعمِر نفسه، وُلد من بعده نيلسون مانديلا في أرض جنوب أفريقيا، وكان امتدادًا لكونتا كونتي والسود مناهضي العبودية، إذ قاوم نظام الفصل العنصري الأوروبي الذي خلّفته حقبة طويلة من الكولونيالية، وسعى لتفكيكه والتصدّي له، ما انتهى باعتقاله مدة 27 عامًا، تحمّل خلالها تبعات فكره المناضل وإيمانه بحرية شعبه، ما قوبل بالقمع والتنكيل في المعتقل.
حصل السود في الولايات المتحدة، وعلى أرض أفريقيا، على الاعتراف بكينونتهم الوجودية وحقوقهم، على الرغم من تمسّك الآخر الغربي بسياسة العنصرية وممارسته لها حتى اليوم. يقول فانون في كتابه "بشرة سوداء أقنعة بيضاء" (1952) "إن الإنسان لا يكون إنسانًا، إلّا عندما يفرض نفسه على إنسان آخر بهدف الاعتراف به" (٢)، إلّا أن رحلة فرض المستعمَر لوجوده لم تكن يسيرة أمام وحشية الأبيض وثقافته التي شرّعت قتله، واحتاجت أن ينتهج المستعمَرون طريق المقاومة والمعارضة التي راح ضحيتها كُثر.
يتداخل واقع الفلسطينيين اليوم مع ما عاشه الأفريقيون على مرّ التاريخ، وهو واقع يتشابه فيه مصير كُثر من الفلسطينيين مع العديد من الأفريقيين الذين راحوا ضحية الاستعمارين الأوروبي والأمريكي، إذ يقبع الفلسطينيون اليوم تحت الاستعمار الإسرائيلي بوصفه أبشع قوة استعمارية تمثّل حليفتيها؛ القارة العجوز والعالم الأمريكي الجديد، وهي قوة استعمارية تجعل من قتل الفلسطينيين شريانًا يغذّي وجودها، وهو ما رأت فيه دولة جنوب أفريقيا سببًا كافيًا لمواجهة إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي في إثر حرب الإبادة القائمة حاليًا على قطاع غزة، في سياق تنكِر فيه إسرائيل حق الفلسطينيين في المقاومة، مقابل دولة ورثت نضال أكبر قادتها، وتشرّع بدورها مقاومة الاستعمار.
شرعية العنف المقاوِم
يُعدّ فانون من المفكرين الذين قدموا فكرًا مناضلًا، عكف فيه على دراسة الاستعمار وتفكيكه، والتطرق لبواطنه الاستغلالية التي استغلت السكان الأصلانيين وإرثهم وخيرات أوطانهم، فكان من أولئك الذين اهتموا بالمنحى السيكولوجي والاجتماعي بالتركيز على حالة الزنوجة (٣)، باعتبار أن التمييز العرقي كان مدخل الغرب لخلق ثنائية الأبيض والأسود، السيد والعبد، وهي مداخل كرّسها الغرب لتشريع سياسته في العبودية والخطاب العنصري على امتداد التاريخ. وتتضّح راهنية إسهاماته الفكرية ببناء جسور مع ما أصبح يُقرأ في حالة الواقع الفلسطيني؛ إذا لا تختلف حالة الزنوجة التي حصرت السود بالنظرة العرقية الدونية كثيرًا عن حالة الإقصاء التي يعانيها الفلسطيني على أرضه وخارجها، وفقًا لصور نمطية وسياسات روّج لها الغرب واتّبعها، ودعم بها إسرائيل بوصفها قوةً استعماريةً بدأت تتشكل بهجرة اليهود من أوروبا.
وتُعدّ نظرية ما بعد الاستعمار المدخل الذي اتّخذه فانون في قراءة عواقب الاستعمار الذي استمر بطرق لا تستوجب بالضرورة الوجود العسكري، فالإرث الثقافي الذي خلّفه المستعمِر، بما في ذلك موقع التابع، أصبح واقعًا مفروضًا، وهذا ينطبق بالضرورة على العوالم التي وطِئتها أوروبا، ثم منحتها استقلالًا، ما بات يطرح تساؤلًا حول المفهوم الفعلي للتخلّص من الاستعمار. أما في الحالة الفلسطينية، يبدو وعي الغرب واضحًا بضرورة إحكام السيطرة على فلسطين، للسيطرة على قلب العالم؛ الشرق الأوسط. لذا، كان الاستعمار الإسرائيلي استمرارًا لنظيره البريطاني السابق له، مع الأخذ بعين الاعتبار محافظة الغرب على دوره الاستعماري بإدانة الفلسطينيين وتنميطهم بصور دونية، تبعًا لسياسة مماثلة أُسقطت طويلًا على السود.
يعتبر العنف الثوري أحد الأساليب التي شرّعتها وحشية الاستعمار، وهو ما حقّق نتائج التفوّق على المستعمِر والإطاحة به، كما في الحالة الجزائرية؛ إذ يأتي العنف باعتباره حالةً مقاومةً ضروريةً ومبررةً أخلاقيًا في خِضَم تكريس المستعمِر لفكره القائم على بناء خطاب ورؤية قائمين على أساس القتل والإبادة، الأمر الذي يشرّع العنف بغية تفكيك جوهره القائم على الإخضاع، إذ يتسنى بذلك للهامش قلب السردية وتقويضها، وإعادة تفكيك الفكر القائم على الانحياز لأعراق وثقافات دون أخرى.
ما يقرأ في الوضع الراهن بوعي دولة جنوب أفريقيا باعتبارها دولة سوداء من ناحية العرق، بقوتها الوجودية في الوقوف أمام حليفة الغرب في ما يتعلّق بمقاضاتها على حرب الإبادة التي تمارسها على الفلسطينيين. أما العنف الذي شرّعته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، فينبغي أن يكون متوقعًا وطبيعيًا، ردًا على العنف الإسرائيلي المستمر أكثر من 75 عامًا من الاحتلال، وأكثر من 17 عامًا من الحصار على قطاع غزة.
لا يمكن فصل الغرب وتكوينه الفكري عن حقيقته القائمة على استغلال الشعوب وتقديمها كبش فداء، لبسط نفوذه ولممارسة الاستعلاء الحضاري، ما يجعل من التاريخ شاهدًا على التصفية البشرية التي انتهجها الغربي تجاه الشعوب الأصلانية، بهدف تقويض أي إرث ثقافي وبشري يمكن أن ينافس وجوده، ومحوه، وهو ما تمثّل في استنزاف القارة الأفريقية على مرّ التاريخ، بهدف تحقيق صورة مفادها أنها متأخرة عن الكوكبة البشرية، من خلال استعمارها، وتصدير سكانها إلى أرض الرجل الأبيض، وحاليًا في إقحامها في نزاعات قبلية وعرقية وأهلية.
غير أن هذا لا ينفي حقيقة وعي الأفريقي بذاته، حتى بعد قرون طويلة من سياسة الغرب التي استهدفت ترويض الأسود على التبعية. ويتضح ذلك بمواجهة الأفريقيين لخطاب حضارة الأبيض والقدرة على صياغة خطابهم المضادّ بالسير على خطى المناضلين قبلهم، ويتجلّى ذلك في ناليدي باندور، وزيرة العلاقات الدولية والتعاون لدولة جنوب أفريقيا، التي تولّت زمام الأمور في مواجهة إسرائيل في محكمة العدل الدولية، بصورة نضالية تحيل للظلم المشترك الذي يحلّ على الفلسطينيين، وتحديدًا في قطاع غزة، ومن قبلهم ما عاشه الأفريقيون، وهو ما يمثّل صورة ثنائية راهنية في مواجهة الاستعمار الغربي وذراعه، إسرائيل؛ تتمثّل الأولى في وقوف جنوب أفريقيا في مواجهة مع إسرائيل، ما يعني بالضرورة مواجهتها لأوروبا وأمريكا بوصفهما قوى مارست، ولا زالت تمارس، دورها الاستعماري. أما الثانية فتتمثل في كسر المقاومة الفلسطينية شوكة الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر، بعد عقود طويلة من الانتهاكات ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، ما جعل العنف المقاوِم ردة فعل طبيعية على العنف الممارَس الذي جعل من التطهير العرقي الممتد عقودًا ظاهرة طبيعية لم تستدعِ أي ردة فعل من الغرب لإيقافه.
المراجع:
(1) كمال رمضاني وعبد المجيد عمراني، "سايكولوجيا الاستعمار من منظور فانون"، العبر للدراسات التاريخية والأثرية في شمال أفريقيا، العدد 1،مجلد 5 (2022)، ص 468-482.
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.