الفيلم واحد من ثلاثية موضوعاتية نزلت خلال عام، أولها "Sex" في الدورة الماضية من مهرجان برلين السينمائي، ثانيها "Love" في الدورة الأخيرة من مهرجان فينيسيا السينمائي، آخرها "حلم" (Drømmer) المشارك في المسابقة الرسمية للبرليناله اليوم. وهي ثلاثية تحوم حول الرغبة في أشكالها الثلاثة: الجنس والحب والفانتازم ثالثهما.
هذا النفَس الطويل للمخرج النرويجي داغ يوها هاوغيرود، نجد تفسيره بمعرفة أنه روائي إضافة إلى صفته السينمائية. هو ما يمكن أن يفسر كذلك، موضوع فيلمه وأسلوب نقل الموضوع، فالأدب حاضر في "حلم" شكلاً ومضموناً.
فتاة تقع في حب معلّمتها الجديدة، تبقي مشاعرها لنفسها، تكتبها وحسب في دفتر يوميات. تقدم الدفتر إلى جدتها، وهي شاعرة، لتقترح الأخيرة نشر الدفتر في كتاب، قبل أن تُقرئه للأم.
الفيلم أدبي في شكله كذلك، فمعظمه كان كلاماً ملقىً من الدفتر، بصوت الفتاة تحكي لنا عن علاقتها. يتخلل ذلك مشاهد بحوارات زامن الكلام المقروء/المحكي، أو لحقته. وذلك برهافة الأدب وحساسيته تجاه شخصياته.
السرد هنا أقرب إلى الكشف، بضمير المتكلم، طبيعته المقروءة تمنحه مساحة لشاعريته أوسعَ مما يمكن لفيلم يحكي قصة بحوارات أن يكون. حميمية الكلام والمشاعر الهشة، لفتاة لا تزال تكتشف نفسها من خلال تجربتها الأولى في الحب، هذا كله منح توازناً للجانب البصري، الثلجي والبارد، محولاً البرد الخارجي، عن النافذة، إلى دفء داخلي، في البيت بأغطيته ووسائده، والصوف المنتشر، بكرات وكنزات، والشالات، وغيرها مما رافق الكلام ودفئه على طول الفيلم.
ما إن تقترح الجدة أن تعرض النص على ناشرها، علّه يصير كتاباً، حتى يتحول الحديث الهش إلى بارد وبليد، يدخل في صناعة النشر وتجارته، في قانونية ما فعلته المعلمة، أو حتى الفتاة. وذلك بدفع من الأم التي لم ترَ من الدفتر سوى إمكانية الاستثمار.
ليس الفيلم عملاً عظيماً، لكنه بحساسية الفتاة ومشاعرها، واختار مؤلفه أسلوباً كان أدبياً، مانحاً تلك الحساسية شكلها الأنسب. أما التفصيل شديد الهامشية في الفيلم، الرفوف الممتلئة بالكتب، حيثما توجّت الكاميرا، مضيفةً دفئاً لا يمكن للكتب المصفوفة على أرفف خشبية إلا أن تفوح به، التفصيل الهامشي هذا، كذلك يمكن تفسيره بمعرفة أن المخرج والروائي، هو كذلك مكتبيّ، بائع كتب.