نُشر المقال بالسويدية في صحيفة أفتونبلاديت بتاريخ 30 كانون الثاني/ يناير 2025
كتبه كل من: أولوف بورتز، أستاذ تاريخ، وبيتر هيلستروم، أستاذ تاريخ الأفكار، ودانييل ستراند، أستاذ تاريخ الأفكار.
الصراع الفلسطيني يدخل مرحلة جديدة. ولكن بغض النظر عن مدى استمرار وقف إطلاق النار هذه المرة، فقد حدث شيء ما، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في السويد. ففي العام الماضي، كشفت حملة الملاحقة ضد أولئك الذين احتجّوا على الحرب عن ملامح المشهد السياسي المستقبلي، إذا ما عززت الأحزاب التقليدية المحافظة تحالفها مع الأحزاب اليمينية المتطرفة. هذا ما يكتبه المؤرخون أولوف بورتز، وبيتر هيلستروم، ودانييل ستراند.
لم يُناقش الصراع الفلسطيني في السويد بهذا القدر من الكثافة كما كانت الحال في العام الماضي؛ فالنبرة الحادة في النقاش تعكس حالة الاستقطاب التي تسود عصرنا. ولكن الجدل يعكس أيضًا اتجاهًا أعمق في المجتمعات الغربية، إذ يكون تحدي المبادئ الأساسية للديمقراطية الليبرالية، مثل حرية تشكيل الرأي العام. فقد سعى المدافعون عن إسرائيل خلال العام الماضي إلى إسكات معارضيهم عبر التشكيك في دوافعهم وتصوير آرائهم على أنها غير متوافقة مع القيم السويدية، والحد من فرصهم في التعبير عن رأيهم على الإطلاق.
يمكن تمييز ثلاث استراتيجيات خطابية استُخدمت ضد أولئك الذين احتجوا على الحرب الإسرائيلية في غزة: الاستراتيجية الأولى هي وسمهم بأنهم مؤيدون للإرهاب. ففي صحيفة "جوتيبورجس-بوستن"، ادّعى الكاتب هينريك يونسن أن المتظاهرين ضد الحرب "يضفون الشرعية على نظام ثيوقراطي استبدادي وعنيف"، بينما زعمت أليس تيدوريسكو-موفا من حزب المسيحيين الديمقراطيين أن "الحركة المؤيدة لفلسطين تمجّد الإرهابيين" و"تحرض على التخريب، والتهديد، والعنف". أما في صحيفة "فولكبلادت"، فقد وصف ويدار أندرسون الاعتراف بدولة فلسطين بأنه "احتضان لحركة حماس".
الاستراتيجية الثانية هي رفض أي انتقاد لإسرائيل باعتباره معاداة للسامية. فمباشرة بعد هجوم حركة حماس في أكتوبر 2023، زعم هنريك بارفو من صحيفة "نيا فيرملاندس-تيدنينجن" أن انتقاد احتلال إسرائيل لفلسطين معادٍ للسامية، بينما ادّعت ليني ليندكفيست من صحيفة "إكسبريسن" أن طفلًا يكره اليهود في مدرسة داس على العلم الإسرائيلي. أما كاتبة الرأي يوهانا تراب من صحيفة "أوستغوتا كوريسبوندنتن"، فقد لخّصت هذه الاستراتيجية بمعادلة بسيطة: "إسرائيل هي ضمان للحياة اليهودية: أن تكون ضد اليهود أو ضد الصهيونية يعني أنك معادٍ للسامية".
عندما بدأت القنابل تتساقط على غزة، فُعّلت هذه الاستراتيجية ضد من خرجوا للاحتجاج. ففي صحيفة "داغينس نيهيتر"، صرّح رئيس معهد سيغيرستيدت كريستر ماتسون، إلى جانب اثنين من الباحثين، بأن الشعار الذي يدعو إلى "فلسطين حرة من النهر إلى البحر" هو شعار معادٍ للسامية. كما اعتُبر وصف إسرائيل بأنها قوة استعمارية أمرًا معاديًا للسامية أيضًا، إذ اعتُبر ذلك "تجريدًا للإسرائيليين من إنسانيتهم".
ينبع الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية من عدم القدرة على التمييز بين اليهود بوصفهم مجموعة وإسرائيل بوصفها دولة. ففي "داغينس نيهيتر"، وصف رئيس المجلس المركزي لليهود آرون فيرستانديغ هجوم حركة حماس على إسرائيل بأنه هجوم على "الشعب اليهودي"، مقدمًا هذا الشعب بوصفه كتلة واحدة لها علاقة بديهية بإسرائيل. وعندما دعم موظفون في البيت الثقافي في ستوكهولم حملة لمقاطعة إسرائيل، ادّعى فيرستانديغ أن اليهود لم يعودوا "يشعرون بالأمان" في تلك المؤسسة. أما جولان أفشي من حزب الليبراليين، فقد زعمت أن حملة منظمة العفو الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية جعلت من "الصعب على اليهود أن يعيشوا حياة يهودية في السويد".
في بعض الأحيان، يكون الخلط بين المفاهيم مطلقًا لدرجة أن "معاداة السامية" لا تبدو متعلقة باليهود على الإطلاق. فقبل 7 أكتوبر بفترة قصيرة، اتهم كريستر ماتسون معرض الكتاب في جوتنبرج بأنه يعاني من "معاداة سامية هيكلية"، لأن إسرائيل لم تُدعَ باعتبارها شريكًا رسميًا في محور الثقافة اليهودية بالمعرض. وأوضح ماتسون أنه لا يقصد بـ"معادٍ للسامية" أنه "معادٍ لليهود"، بل أنه "انتقادي بشكل أحادي للدولة الإسرائيلية".
وتتمثل الاستراتيجية الثالثة في تصوير منتقدي إسرائيل على أنهم غير سويديين. خلال مناظرة في البرلمان، زعم أرون إميلسون، من حزب ديمقراطيي السويد، أن الاحتجاجات ضد الحرب كانت "في تصادم تام مع القيم السويدية". وفي اليوم التالي، اقترح تيودوريسكو-موفه أن على الراغبين في الحصول على الجنسية السويدية "الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود" و"تبني القيم اليهودية-المسيحية"، بينما طرح وزير الهجرة يوهان فورسيل، من حزب المحافظين، إمكانية ترحيل الأشخاص الذين "يمجدون الإرهاب وينشرون معاداة السامية". من جهتها، أكدت نائبة رئيس الوزراء، إيبا بوش، أن الجميع في السويد يجب أن "يقبلوا قيمنا".
هذا الترميز العرقي للصراع - حيث يُعتبر دعم إسرائيل "سويديًا" والتعاطف مع فلسطين "غير سويدي" – يؤدي عدة وظائف؛ فمن جهة، يمكنه إسكات اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط عن تجاربهم، ومن جهة أخرى، يمكنه تبرئة الأغلبية في السويد من تهمة معاداة السامية. زعم كل من رئيس الوزراء أولف كريسترسون وجيمي أوكسون – وهما زعيمان لأحزاب لها تاريخ موثق في معاداة السامية –مؤخرًا أن الكراهية ضد اليهود في السويد "مستوردة". لكن هذا الترميز العرقي يشكل أيضًا تهديدًا ضمنيًا ضد السويديين الأصليين، إذ إن انتقاد إسرائيل قد يؤدي إلى فقدان مكانتهم الطبيعية في المجتمع. ووفقًا لأوكسون، لم يحتج "أي سويدي عادي" ضد الحرب.
إن تصوير الآراء السياسية على أنها "قيم وطنية" على الجميع الامتثال لها يكشف عن تحول اجتماعي سلطوي. ولمن يريد رؤية إلى أين يتجه هذا المسار، يمكنه النظر إلى ألمانيا، حيث حظرت السلطات التظاهرات المؤيدة لفلسطين والرموز المرتبطة بها، مثل الأعلام والأوشحة. كما طالب رئيس ألمانيا ونائبه بأن يعلن المسلمون والعرب في البلاد بشكل صريح رفضهم للإرهاب ومعاداة السامية. ومنذ الصيف الماضي، أصبح من الضروري لمن يريد الحصول على الجنسية الألمانية الاعتراف بـ"حق إسرائيل في الوجود".
علاوة على ذلك، شملت عمليات القمع الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني؛ فقد أنهت الجامعات الألمانية عقود عمل لأساتذة انتقدوا إسرائيل. وفي برلين، أغلقت السلطات مركز أويون الثقافي بعد أن استضاف مجموعة السلام اليهودية "يوديشيه شتمي". وعندما نظمت هذه المجموعة في الربيع الماضي مؤتمرًا حول فلسطين، جُمّدت أصولها المالية، ثم داهمت الشرطة المؤتمر.
في ظل هذا المناخ الاجتماعي، يُصنَّف أي تعبير عن التضامن مع فلسطين بشكل روتيني على أنه معاداة للسامية. ففي ديسمبر، وُجِّهت اتهامات إلى كنيسة في دارمشتات بنشر "كراهية اليهود" و"دعاية مفتوحة لحركة حماس". وقد عُرضت صور لكعكات عيد الميلاد على شكل قلوب تحمل عبارات مثل "وقف إطلاق النار الآن" و"أبدًا مرة أخرى لأي أحد" دليلًا على ذلك.
مرة أخرى، تقود ألمانيا الطريق نحو أوروبا تتسم بالسلطوية بشكل أكبر، حيث يُشكَّك في الأقليات ويُسكت المعارضون السياسيون. وعلى الرغم من أن السويد لم تصل إلى هذا الحد بعد، فإن هناك توجهات مماثلة بدأت تتبلور: فقد سُحبت دعوات، وخسر أشخاص وظائفهم، وأُجبر نشطاء سياسيون على مغادرة أحزابهم. ربما يكون قمع الحركة المؤيدة لفلسطين مؤشرًا على تطور أكثر عمقًا، إذ يُستبدل النقاش الحر في الديمقراطية الليبرالية بـ"قيم وطنية" ثابتة. فهل نشهد ملامح ديمقراطية غير ليبرالية، حيث تقيد السلطات الحقوق الأساسية؟ إن ملاحقة أولئك الذين دعموا فلسطين تعطي لمحة عن المجتمع المستقبلي، إذا ما عززت الأحزاب البرجوازية التقليدية تحالفها مع الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تعارض في جوهرها الديمقراطية الليبرالية.
لم يُحسم الصراع على الديمقراطية بعد، لكن القمع ضد الحركة المؤيدة لفلسطين أصبح واقعًا، وأولئك الذين دفعوا الثمن الأعلى هم سكان غزة. فمنذ خمسة عشر شهرًا كانت محاولات إسكات الاحتجاجات ترسل رسالة إلى إسرائيل مفادها أنها تستطيع مواصلة العنف دون عوائق، وهو العنف الذي تحقق فيه حاليًا محكمة العدل الدولية باعتباره إبادة جماعية.
