في الرابع من آذار/مارس 2025 اجتمعت القمة العربية الطارئة في القاهرة لتبني "خطة إعادة إعمار غزة". كانت الوثيقة، بميزانيتها التي تبلغ 53 مليار دولار، سرداً طموحاً مليئاً بالأرقام الصلبة: 400 ألف مسكن، 120 مستشفى، ميناء، مطار. لكن هذا السرد، بكل ضخامته المادية، أخفق في أن يكون نصاً شاملاً. لقد قام بتأطير المستقبل من خلال قاموس ذكوري صرف، مُنتِجاً بذلك غياباً آخر، غياب المرأة، ليس كإغفالٍ عارض، بل كنتيجة حتمية لبنية سردية أبوية.
هنا، تقدم لنا البروفيسورة والكاتبة سينثيا إنلو إحدى أهم استعاراتنا النقدية: "Later is a patriarchal time zone". ليست "اللاحقة" مجرد زمن، بل هي "منطقة زمنية أبوية"، بناء سردي يُستخدم لتأجيل قصة المرأة إلى فصول لاحقة، بينما تُكرس الفصول الأولى لقصة الرجل البطل: البناء، الإصلاح، إعادة التأهيل. تقول إنلو إن هذا التأجيل ليس حيادياً، بل هو خيار أيديولوجي. خطة غزة، بهذا المعنى، هي تكريس لهذه المنطقة الزمنية الأبوية: فقصص السلامة من العنف المبني على النوع الاجتماعي سواء على يد الاحتلال أو الرجل الفلسطيني، والصحة الإنجابية، والأمن الاقتصادي للمرأة، كلها مؤجلة إلى ذلك الحيز الغامض المُسمّى "ما بعد الاستقرار"، وهو حيزٌ، كما يخبرنا التاريخ، قد لا يأتي مطلقا.
وفي قلب هذا التحليل، تقف سيمون دو بوفوار وشعارها الوجودي المؤسس من كتابها "الجنس الثاني": "المرأة ليست مولودة امرأة، بل تصبح كذلك"، حيث تصف دو بوفوار كيف يتم تشييد المرأة كـ"الآخر" (The Other) من خلال السرديات الاجتماعية والسياسية التي يهيمن عليها الرجل وبالتالي تصبح مكانة المرأة الاجتماعية الجنس الثاني حيث أن الرجل هو الجنس الأساسي ومعيار القياس. في سياق إعادة الإعمار، تُعاد كتابة هذه المعادلة الوجودية ببراعة: الرجل هو "الذات" الفاعلة (المهندس، المموِّل، المفاوض)، بينما تُختزل المرأة إلى "الآخر" السلبي، موضوعٌ للرحمة أو "المساعدة"، وليست فاعلةً في صنع مصيرها. إن إقصاءها من غرف التصميم هو، في جوهره، إنكارٌ لوجودها ككيان مستقل، وتكريسٌ لوضعها ككيانٍ مُعرَّفٍ دائماً بالتبعية.
يهمنا أيضا كتاب "النساء غير المرئيات" (Invisible Women) لكارولين كريادو بيريز، ليكشف عن أداة السرد الأبوية الأكثر أساسية: فجوة البيانات. إن عدم جمع البيانات المصنفة حسب النوع الاجتماعي هو بمثابة حذف متعمد لشخصيات كاملة وفصول بأكملها من القصة. إنه يسمح للكاتب (المخطط، صانع القرار) بادعاء "الحياد" وكتابة نصٍ يعتبر "الإنسان" مجرداً وكونياً، بينما في الواقع، هذا "الإنسان" هو ذكر. هذا الحذف يجعل النساء "غير مرئيات" حرفياً في عملية كتابة المستقبل، مما يسمح بإعادة إنتاج أخطاء الماضي.
تسجل بيريز حلقة مفرغة: غياب البيانات المجزأة حسب النوع الاجتماعي ليس مجرد إغفال – بل هو لامبالاة مقصودة. تستخدم الحكومات والمؤسسات هذا الفراغ كسلاح، متذرعة بـ"عدم وجود أدلة" لتبرير استبعاد النساء من التخطيط لمرحلة ما بعد الصراع، سواء في التعافي الاقتصادي أو العدالة الانتقالية. ومع ذلك، فإن الحل واضح: فرض جمع البيانات بشكل منهجي حول مشاركة المرأة في كل اجتماع حوكمة. لقد زادت نسبة النساء اللواتي يدخلن برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج (DDR)، ولكن لا توجد بيانات عن كمية الاستفادة التي تحصل عليها النساء، ولا توجد بيانات عن الاختلافات في جودة الاستفادات وتغطيتها.
تخبرنا سينثيا إنلو أن الأمن مفهومٌ جندريٌّ عميق. وتجسّد هذه الحقيقة حادثة مأساوية سببتها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين (UNHCR) في معسكرات التنزانيين للاجئين عام 2000. عندما نفد الصابون، لم تكن الأزمة مجرد نقص في المستلزمات، بل كانت فشلاً ذريعاً في "الخيال الأمني" الأبوي. بالنسبة للمخططين، كان الصابون بنداً ثانوياً في الميزانية. لكن لنصف مليون لاجئ – وخاصة الفتيات المراهقات – أصبح غيابه كارثياً. دون هذه الأساسية، تسربت الفتيات من المدارس أثناء الحيض، بينما برزت تقارير عن استغلال جنسي، حيث أجبرت بعضهن على تبادل أجسادهن فقط للحصول على قوالب الصابون. هذه الصفقات المذلة لم تكن فقط للحصول على الرفاهية، بل لمحاولة يائسة لتجنب الأمراض النسائية الناتجة عن غياب النظافة الشخصية، وهنا تكمن الطبقة الأكثر قسوة من هذه المعاناة: العار المزدوج الذي تواجهه النازحات واللاجئات. عار أول عند محاولة الحفاظ على النظافة الشخصية لتجنب الأمراض النسائية في ظل ظروف لا إنسانية، وعار ثانٍ عند السعي للعلاج من هذه الأمراض الناتجة عن هذه الظروف. لقد حولت هذه الديناميكية جسد المرأة إلى ساحة معاناة مزدوجة: معاناة من المرض، ومعاناة من وصمة اجتماعية تلاحقها حتى وهي تحاول حماية صحتها وكرامتها.
هذا لم يكن فشلاً في الموارد، بل كان فشلاً في التصوّر. لو تمت استشارة النساء في قرارات التوريد، لكنّ حذّرن من كيف أن نقص الصابون سيعرّض الفتيات للخطر بشكل غير متناسب. بدلاً من ذلك، كشف هذا الإغفال كيف أن برامج "الحماية" تركز غالباً على التهديدات المرئية (مثل العنف المسلح) بينما تهمش الاحتياجات اليومية التي تحدد سلامة المرأة وكرامتها. الأمن الحقيقي لا يتعلق بحفظة السلام والأسلاك الشائكة فقط؛ بل يتعلق بسؤال النساء عن احتياجاتهن للبقاء على قيد الحياة – قبل وقوع الأزمة. فضيحة الصابون تثبت: عندما تستبعد النساء من التخطيط، حتى أصغر الاخفاقات يمكن أن تتحول إلى كارثة.
يتكرر هذا النمط المؤلم في كل مكان: من جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة - الرجال الذين أُرسلوا أصلاً للحماية، والذين تحولوا هم أنفسهم إلى جناة (بما في ذلك 72 حالة اغتصاب موثقة في الكونغو الديمقراطية، بعضها لأطفال)، إلى برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، التي توزع الواقيات الذكرية الأنثوية بينما تتجاهل الاحتياجات الأساسية للنساء مثل الفوط الصحية. هذه الإخفاقات تكشف حقيقة مريرة: لا يمكن للرجال تصميم الأمان للنساء. استراتيجيات الحماية التي تُصمم بدون مدخلات النساء ليست غير فعالة فحسب، بل غالباً ما تكون مميتة.
هذه الديناميكية لا تقتصر على المساعدات الإنسانية، بل تمتد إلى أعلى مستويات صنع السلام. ففي اتفاقيات السلام في الكونغو، مُنح العفو للمتمردين الذين لديهم سجلات موثقة جيداً في العنف الجنسي في هدنة هشة. لكن هذا "السلام" المزعوم جاء بتكلفة – ليس بالنسبة للمفاوضين، ولكن للنساء اللواتي اعتُبرت تضحية مقبولة لإغلاق هذا الملف والاحتفال باتفاقية السلام المصطنعة. ملاحظة سينثيا إنلو حول الأرامل العراقيات تنطبق هنا: الموت في وقت الحرب له بعد جندري، وكذلك ما بعده. عندما تربط البنوك والحكومات والأنظمة القانونية بقاء المرأة بعلاقتها بالرجل، فإن "مرحلة ما بعد النزاع" تتحول إلى ساحة معركة أخرى. حصل المتمردون على العفو؛ بينما تم محو النساء. هذه هي نفاق عمليات السلام التي تفضل الاستقرار على المساواة – إنها لا تنهي العنف بقدر ما شرعنه بشروط جديدة. حتى قرار مجلس الأمن 1889 يشبه مخطوطة جميلة ولكنها غير مكتملة، تفتقد إلى الآليات الملزمة لتحويل كلماتها إلى واقع. حقيقة أن 67% من طلبات التمويل للتدخلات الخاصة بالعنف لم تُلبَّ في 2017 ليست هامشاً، بل هي مؤشر على أن قصة المرأة لا تُعتبر "قصة رئيسية" تستحق التمويل.
في غزة، نرى هذا السرد المأساوي يعيد كتابة نفسه. فبعد خمسة حروب، تم حذف شخصية المرأة المناضلة، صانعة الشبكات ومُديرة شؤون البقاء، من فصول إعادة الإعمار. وبدلاً من ذلك، كُتبت كشخصية ثانوية: الضحية، أو مساعدة البطل. العنف القائم على النوع الاجتماعي هو فصل مظلم ومُختزل في الإحصائيات التي لا تنقل العمق. 37 جريمة "شرف" على مدار سنتين فقط من 2012-2013، 15% من المتزوجات يتعرضن للعنف الجنسي – هذه أرقام، لكن القصة الحقيقية هي قصة الخوف والصمت والوصم التي لا تروى.
اليوم، تُختزل معاناة نساء غزة في إحصاءات: 93% يعشن في خوف دائم، 80% اكتئاب، 66% أرق. لكن الأدب يعلمنا أن الإحصاءات هي أقصوصة باردة لا تنقل سردية الخوف: الرعب الهادئ لطابور الماء، القلق من الذهاب إلى الحمام ليلاً، الحرب التي تُشحذ أسنان المخاطر اليومية. في السرد الكلي للحرب، يهرب الرجال من ساحات القتال، لكن سرد المرأة أكثر تعقيداً: فهي تهرب من الحرب ومن الرجال داخل الحرب.
الآن، إعادة إعمار غزة تحتاج إلى تغيير السرد من جذوره. لا يمكن أن تظل المرأة "الآخر" في القصة. تحتاج العملية إلى أن تكون إعادة كتابة وجودية، وليس مجرد بناء مادي، فالنهج النسوي في العلاقات الدولية، كما يتم توضيحه من قبل إنلو ودو بوفوار، يتطلب الإصغاء ليس فقط لما يُقال، بل للغيابات الصاخبة أيضًا – المقاعد الفارغة حيث كان ينبغي أن تجلس النساء، والعنف غير المعترف به المدفون تحت اتفاقيات العفو، والطريقة التي تعزز بها السياسات "المحايدة" هيمنة الذكور بصمت. تتنكر الذكورة في صورة غياب النوع الاجتماعي، موضعة نفسها كالإعداد الافتراضي بينما تجعل تجارب النساء عرضية.
فقط عندما تصبح النساء كاتبات ومحررات لإعادة الإعمار، عندما تُسمع أصواتهن في تصميم المساكن والأحياء والبرامج الاقتصادية، عندما تُجمع البيانات التي تجعل تجاربهن مرئية - فقط عندها يمكن لغزة أن تنهض من الأنقاض ليس فقط ببناء جديد، ولكن بمجتمع جديد قائم على العدالة والمساواة الحقيقية. هذه ليست مجرد إضافة نسوية للقصة، بل هي إعادة كتابة جذرية للقصة ذاتها.
