صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب ماجد قروي الشباب السلفي في تونس: دراسة سوسيولوجية بمدينة سيدي علي بن عون، وفيه يبحث في تفصيلات العلاقة بين الشباب التونسي والحركة السلفية، بوصفها تجربة اجتماعية ذات دلالات ومقاصد، ساعيًا من خلالها إلى بناء مسار حياته؛ ليس لأن هذه العلاقة ضربٌ من ضروب الخلل الوظيفي، بل لأنها تجربة واصلة بأسباب الإبداع والمناورة. كما يهدف قروي إلى كشف المستور في هذه العلاقة، والوقوف على الإستراتيجيات التي تعتمدها الحركة السلفية في استقطاب الشباب، مسلطًا الضوء على مقومات هوية الشباب السلفي الثقافية، ودوافع الشباب إلى الانخراط في الحركات السلفية.
يتألف هذا الكتاب (128 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من فصلين، وخاتمة، وجملة من الملاحق الإيضاحية.
تأسيسات نظرية
في الفصل الأول، “التأسيسات النظرية والمنهجية”، يبيّن قروي إشكالية بحثه وفرضياته، مقدمًا خلفية نظرية (براديغم) لبحثه، وموردًا مفاهيمه؛ كمفهوم الشباب، وتعريف السلفية، والحركة الاجتماعية، إضافةً إلى مفهوم الهوية الثقافية، ومفهوم الإستراتيجية، ومفهوم الفعل الاجتماعي. ثم يقدم قراءة نقدية متعلقة بأهم الدراسات السابقة، ليعرض منهجية البحث وتقنياته؛ كالملاحظة بالمشاركة، والمقابلة نصف الموجَّهة، واستمارة الاستبيان، وتقنية تحليل المضمون، وعيّنة البحث ومجاله. وبحسب قروي، تشمل عيّنة البحث في مدينة سيدي علي بن عون الشبابَ السلفي الذي لا يعمل ولم يتزوج وليست له استقلالية عن العائلة الأصلية، آخذًا في الاعتبار التحولات السريعة التي شهدها عالم العمل ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، جامعًا مقاربتين اثنتين لتحديد مفهوم الشباب، استنادًا إلى تعريف الحركة السلفية وأفكارها وفروعها. ولا يدخل في العيّنة كلّ من لا ينطبق عليه تعريف الشباب سوسيولوجيًّا، ومن لا يتبنى الهوية السلفية بأغلبية مبادئها استنادًا إلى روايته وتجربته الذاتية. بناءً على ذلك، شملت العيّنة 100 شاب ينتمون إلى الحركة السلفية و10 أولياء، كعينة تكميلية، من أجل فهمٍ أكثر لأغوار حياة الشباب السلفي، من وجهات نظر مختلفة.
عودة الهامشي
في الفصل الثاني، “العمل الميداني”، يبحث قروي في المقومات الهوياتية للشباب السلفي، عارضًا الأسس التي تُبنَى عليها الهوية الثقافية للشباب السلفي، وهي: التمايز ووضع حدود مع باقي الشرائح الاجتماعية، والعلاقة الصراعية بمؤسسات الدولة، والـ “نحن” والـ “هم” في فكر الشباب السلفي، والولاء المطلق للقيادة والجماعة المرجعية، والتداخل بين ثالوث الماضي والحاضر والمستقبل، والطقوس السلفية الأخرى من خلال الزواج والطب البديل، والهويتان الذاتية والجماعتية، وتجربة التسلّف باعتبارها طقسَ عبور. ثم يتناول النسق التاريخي لتشكُّل الحركات السلفية في المجتمع التونسي، من خلال الارتباط بتجارب التنمية التونسية، باحثًا في الانتقال من الدولنة إلى الخصخصة؛ بناءً على دراسة تواتر الإصلاحات وتفشي التوترات، ومرحلة ما بعد الحراك الاجتماعي التي شهدت عودة الهامشي، واستثمار ضعف التنشئة الدينية لدى الفئات المقموعة.
إستراتيجيات الاستقطاب
يبحث قروي، في الفصل نفسه، في أسباب انخراط الشباب في الحركات السلفية؛ كالإقصاء الاجتماعي، وسيادة اللايقين، وماهية المدرسة التونسية، والحركة السلفية بوصفهًا مصعدًا اجتماعيًّا. ثم ينتقل إلى دراسة إستراتيجيات الحركات السلفية في استقطاب الفئات الشبابية: إستراتيجية التعبئة، وإستراتيجية الظهور والتخفي (سياسة الزحف الهادئ في فترات الاستقرار السياسي والأمني، والظهور فجأة على الساحة في فترات التوتر والفوضى)، وإستراتيجية الانتقاء في التعامل مع النصوص الدينية (التركيز على الآيات والأحاديث التي تخدم رؤاها، فيَظهر للشاب أن ما تتبناه الحركة هو صلب الدين وجوهره، حيث تغلب على مجالسها آيات الجهاد والقتال)، وإستراتيجية الإقناع، لينتهي إلى تبيان إستراتيجية الهدم وإعادة التأسيس، من خلال تعميق القطيعة بين الشاب وواقعه المعيش، بالتفنّن في تصوير الواقع في صورة سوداوية تجعل الشاب ينظر إلى جميع مجالات الحياة على أنّها دونية ومخالفة للشرع.
استنتاجات
في الـ “خاتمة”، يتوصل قروي إلى أن الإقصاء الاجتماعي والأوضاع الاجتماعية المأزومة التي يعيشها الشاب التونسي تجعله يبحث عن بديل يوفر له ما عجزت عنه الدولة من رأسمال رمزي يُعلي مكانته في الهرم الاجتماعي، فـ “لم يكن له من خيار سوى الالتحاق بالحركة السلفية بصفتها شبكة تضامن بديلة يستعيد من خلالها الكرامة المفقودة التي تسبّبت بها البطالة وأزمة المستقبل ومشاعر القلق والتوتر التي يعيشها والحرمان من عالم الاستهلاك”. ويضيف قروي قوله: “الحركة السلفية لم تنشأ من فراغ، بل هي نتاج لتحوّلات بنيويّة مهمّة ونسق تاريخي تحكمه السياسات الفاشلة لدولة عجزت عن تطبيق أنموذج تنموي متوافق مع متطلبات الشباب ومتلائم مع خصوصياته الثقافية، وهي نتاج لسياسات أمنية حَمَت في وقت ما سياسات الفشل والوهن”. إضافةً إلى ذلك، يجد أن في ارتفاع نسبة الشباب الجامعي المنخرط في الحركة السلفية دليلًا على أن المؤسسة التربوية لم تعُد الفضاء الذي يربي الناشئة على الاعتدال، ويخلص إلى استنتاج رئيس يتمثل في “قدرة الحركة السلفية، عبر إستراتيجيتها القائمة على استثمار الذوات الشبابية الواهنة، على تكريس مشروع تغيير مضاد للدولة العاجزة عن استثمار الطاقات الشبابية في إحداث الحراك والتقدم المطلوبَين لبناء التنمية”.