صدر عن سلسلة “دراسات التحول الديمقراطي” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الشباب والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية، ويضم بحوثًا مُنتقاة من مؤتمر “الجيل والانتقال الديمقراطي في الوطن العربي” الذي عقده المركز بين 22 و24 أيلول/سبتمبر 2017 في مدينة الحمامات بتونس، وجاء التركيز فيه على فئة الشباب بوصفهم الفاعل الرئيس الذي يقف وراء تطور المجتمعات العربية الراهن، والذي يدفع مسألة التحول الديمقراطي.
تجمعُ هذه البحوث دوائرَ ثلاثٍ للاهتمام النظري والتطبيقي في مجال العلوم السياسية بصفة خاصة، وفي مختلفِ حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية بصفة عامة، هي: الشباب والديمقراطية والثورات. كما تركز على فحص ديناميات الارتباط بين قضيتَي الديمقراطية وتمكين الأجيال الجديدة، من خلال عمل علمي يراوح ضمن حقول بحثية عدة؛ منها التاريخ والبحث السوسيولوجي والديموغرافيا والإثنوغرافيا والتحليل الثقافي، فضلًا عن العلوم السياسية باعتبارها حقلًا أساسيًا.
حراك الجيل وتحولاته
يتألف الكتاب (588 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) مقدمة و17 فصلًا. يقول عبده موسى في المقدمة، “الجيل والثورة والديمقراطية”، إنَّ ما أظهره الربيع العربي من حراك للفئة الشابة يمنح الوجاهة لاستدعاء مفهوم الجيل وتوظيفه في معرض السعي إلى فهم تلك التجربة التاريخية الاستثنائية ذات التأثير البالغ في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في منطقتنا العربية وتفسيرها. وبات النظر في المفهوم عربيًا ضرورة علمية، لأن النظرة الخلدونية التي لمّا تزل تُستدعى لدى الحديث عنه، ما عادت تفي بفهم معنى الجيل باعتباره رافعة تاريخية، ولا مجال لمقاربة حركة تغيير تشهدها المجتمعات العربية عبر تلك المقاربة البيولوجية المُضمَرة في التصوّر الخلدوني، إذ المُماهاة هي بين حركة الجماعة وتطوّرها وحركة الفرد وتطوّره.
يجادل أحمد تهامي عبد الحي في الفصل الأول، “الحراك الجيلي في سياقات الانتقال الديمقراطي: مدخل نظري في المفاهيم والمقولات التأسيسية”، بأنّ الجيل السياسي عمل في سياق الربيع بوصفه مُتغيرًا مُستقلًا مُحفّزًا للمشاركة السياسية، على نحو أعاد تشكيل مسارات التنمية السياسية والتحوّل الديمقراطي.
الشباب السياسي والتغيير
يقدم المنجي الزيدي في الفصل الثاني، “الخلفية النظرية لمفهوم الجيل وتطبيقاته في علم اجتماع الشباب”، إطلالة نظرية تُبرز خلفية مفهوم الجيل وتطوّر تشكّله التاريخي وتطبيقاته في علم اجتماع الشباب. ويطرح محدّدات لتعريفه، انطلاقًا من لحظة الحدث المؤسس، ومن خلال الاستجابات التي تخط مسار الجيل في التاريخ.
يبين عبد القادر بوطالب في الفصل الثالث، “الشباب والسياسي: طبيعة التمثلات وعوامل انحسار ظاهرة الانتساب الحزبي في المجتمع المغربي”، أن مشكلة عزوف الشباب عن العمل الحزبي تعود إلى خصائص حملتها العلاقة بين الشباب والأحزاب، وإلى تمثّلات الشباب للشأن السياسي، خصوصًا في ما يخص البنية الحزبية ونوعية الأحزاب في المغرب
يتناول أحمد الخطابي في الفصل الرابع، “من حركة 20 فبراير إلى حراك الريف: الخوف من الديمقراطية أم الخوف من جيل الشباب بالمغرب؟”، موقع الشباب من حراك 20 فبراير 2011 وحراكات الريف في الحالة المغربية، متسائلًا: هل ينطلق موقف السلطة إزاءها من الخوف من الديمقراطية أم الخوف من الأجيال الشابة؟
يقدم أحمد إدعلي في الفصل الخامس، “الدينامية الاحتجاجية لـ ’حركة 20 فبراير‘ بين الوهج والضمور: دراسة لأشكال التأطير والتأطير المضاد”، زاوية للنظر في الحالة المغربية انطلاقًا من نظرية التأطير، عارضًا أشكال التأطير والتأطير المضاد التي صاحبت حركة 20 فبراير، وتلك العمليات الفكرية الحِجاجية والخطابية لهذه الحركة وتأثيرها في الجمهور.
أغورا وسلفية وثورة
تتطرق بشرى زكاغ في الفصل السادس، “أغورا شباب الربيع العربي: بين أعطاب الواقعي وآمال الافتراضي”، إلى الخطاب وبناء القناعات وتداول الشأن السياسي في المجال الافتراضي لدى جيل الربيع العربي، وتبين وجود ملامح التشابك بين المجال الافتراضي الذي أوجدته شبكة الإنترنت، خصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي، والواقع السياسي الحقيقي.
يطرح محرز الدريسي في الفصل السابع، “كسر الطوق وتملك هوامش المدينة، الغرافيتي: دراسة شعارات الشباب في مسلك السكة الحديد في تونس الجنوبية”، رؤية للفن الغرافيتي تجمع الإستاطيقي بالسوسيولوجي في سياق الممارسة النضالية ضمن حالة الاحتجاج التي شهدها الجنوب التونسي، عارضًا المناحي القيمية والرمزية والتواصلية لهذا الشكل التعبيري الجديد عبر تحليل رسائل الغرافيتي التي رسمها الشباب على جدران خط السكة الحديد الجنوبي.
يعرض محمد جويلي في الفصل الثامن، “سلفية تحت الطلب أو تنشئة شبابية منهكة”، نتائج دراسة ميدانية تُبرِز علاقة الشباب التونسي بالظاهرة السلفية، عبر نتائج بحث ميداني شمل عينة من شباب منطقة تونس الكبرى من الجنسين، عارضًا صور الطلب الاجتماعي من جهة الشباب على التديّن السلفي.
يطرح شاكر الحوكي في الفصل التاسع، “الشباب والثورة: هل تصلح المقاربة الجيلية أساسًا لقراءة الثورة التونسية؟”، إشكالية ثنائية الشباب – الثورة، مستخدمًا موقع الشباب في مسار الثورة التونسية حالةً للمُقاربة، ومُشدّدًا على أن صراع الأجيال فرض نفسه بفعل رغبة الشباب في احتلال موقع جديد على الخريطة السياسية على حساب الأجيال الأكبر، ممن احتكروها طويلًا.
تصدعات الهوية وعقدة الجيل
يطرح حمزة المصطفى وصوفية حنازلة في الفصل العاشر، “العقدة الجيلية في الانتقال الديمقراطي بعد الثورات الشعبية: الشباب التونسيون وتحديات استدامة التوافق السياسي”، مسألة العقدة الجيلية في الانتقال الديمقراطي، وما تعلّق بها من تحدٍ لاستدامة التوافق السياسي في ما بعد الثورة في تونس
يتطرق حسن الحاج علي أحمد في الفصل الحادي عشر، “التصدّعات المتحوّلة: الهوية والانتماء السياسي للشباب السوداني”، إلى مسائل الهُوية والانتماء لدى الشباب السوداني وتلك التصدّعات الاجتماعية التي حدثت مع حكومات الإنقاذ خلال الفترة 1989 – 2017، وما جرى من انقسامات سياسية تُرجمت في صورة هُويّات سياسية متناحرة في أوساط الشباب، على نحو عرقل إمكان التحوّل الديمقراطي.
يتناول أشرف عثمان محمد الحسن في الفصل الثاني عشر، “الحقل الشبابي في السودان وإعادة تشكيل المجال العام: بحث في ديناميات الفعل الجمعي ورهانات الحضور العمومي”، حالة شباب “شارع الحوادث”، باعتبارها حالة لإيجاد مجال عمومي تشاركي غير تراتبي، ميّزها حضور الشباب في ساحة الشارع وتنظيمهم فعاليات تكسر احتكار المجال العمومي.
يُبيّن أحمد عثمان في الفصل الثالث عشر، “الشباب التونسيون من صناعة الثورة إلى العزوف الانتخابي: حالة الثورة التونسية”، أبعاد ظاهرة العزوف الانتخابي لدى الشباب في تونس، محاولًا تفسير هزال نسب تصويت الشباب في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.
لبنان والصومال وتونس والمغرب
تتطرق ماريز يونس في الفصل الرابع عشر، “فاعلو الحراك المدني اللبناني: قضية مشتركة،خلفيات متناقضة”، إلى حالة القوى الشبابية في لبنان في لحظة حراك عام 2016، وكيف تشكّلت ملامح حركة تغيير ديمقراطي عابرة للطوائف، وتعرض طبيعة الفاعل الجيلي، وكيف كان التمايز في خلفيات الفاعلين ورُؤاهم من أسباب تعطّل التنسيق والحوار في ما بينهم.
يتناول عبد الرحمن محمود عيسى في الفصل الخامس عشر، “الانتقال الديمقراطي في الصومال وتأثير الشباب فيه”، تأثير الشباب المتصاعد في صوغ الانتقال الديمقراطي في الصومال، مركّزًا على أثر العامل الجيلي في إسقاط النظام العسكري.
يُعالج محمد بالراشد في الفصل السادس عشر، “الديمقراطية المفاجئة: الشباب العربي وتحدي الانتقال الديمقراطي”، أثر الديمقراطية المفاجئة في الشباب وفي عزوفهم عن الانخراط في الحياة السياسية في تونس، وطبيعة الثقافة الديمقراطية لديهم، التي تناقض الدور الكبير الذي تولاه الشباب في مستهل الثورة.
يعرض محمد فاوبار في الفصل السابع عشر والأخير، “أدوار الشباب الجديدة وسياسات الدولة في الإدماج في المغرب بعد حراك 2011″، رؤية سوسيولوجية لسياسات الدولة في المغرب تجاه الشباب، ومأزق إدماجهم، محيلًا سبب تأزّم علاقة الدولة بالفئة الشابة إلى افتقار السلطة إلى سياسة حقيقية بمقدورها النهوض بالشباب المغربي، على الرغم من إمكاناته الكبيرة وتنوّع قدراته.