صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “يوميات عارف العارف: في إمارة شرق الأردن، 1926–1929″، وهذه اليوميات هي سجلُّ يوميات عارف العارف حين كان سكرتيرًا عامًّا لحكومة شرق الأردن، مُعارًا من حكومة فلسطين الانتدابية في الفترة 1926-1929.
عمِل على إنجاز هذه اليوميات كلٌّ من المؤرخ علي محافظة، أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية، ومهند مبيضين، أستاذ التاريخ الحديث في الجامعة الأردنية ومدير عام مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي.
تُعدّ هذه اليوميات من أوائل اليوميات السياسية التي كُتبت عن تلك الفترة، وفيها يصف العارف آلية اتخاذ القرارات في ظلّ الانتداب البريطاني على شرق الأردن، والكيفية التي كانت تُدار من خلالها البلاد بين الأمير عبد الله الأول والمسؤولين الإنكليز.
تقع هذه اليوميات (276 صفحة بالقطع الوسط، موثقة ومفهرسة) في أربعة فصول؛ إذ نجد في الفصل الأول يوميات عام 1926، وفي الفصل الثاني يوميات عام 1927، وفي الفصل الثالث يوميات عام 1928، أمّا الفصل الرابع فهو يشتمل على يوميات عام 1929. وقد شهدت فترة هذه اليوميات نشأة الحركة الوطنية الأردنية، وتأسيس الأحزاب السياسية الأولى، وتوقيع المعاهدة الأردنية – البريطانية في شباط/ فبراير 1928، وعقد المؤتمر الوطني الأردني الأول، والحَراك السياسي والشعبي في إثرها.
إدارة البلاد والنفوذ البريطاني
بحسب التقديم الذي كتبه مبيضين، تصف يوميات عارف العارف الكيفية التي كانت تُتّخذ من خلالها القرارات، ودور المعتمد البريطاني وقائد الجيش العربي البريطاني والمستشارين البريطانيين في القضاء والمالية، في إدارة البلاد واتخاذ القرارات السياسية والإدارية. كما تبيّن دور أمير البلاد، عبد الله بن الحسين، مؤسّس الدولة الأردنية، في إدارة البلاد، وموقفه من البريطانيين وموقفهم منه أيضًا. وتصف، بصفة صريحة، دور المجلس التنفيذي في إدارة شؤون البلاد، وتهتمّ ببذور الحركة الوطنية الأردنية الأولى، وشخصيات عديدة تناولها العارف برعاية وعناية، كما تهتمّ بدور شيوخ القبائل والعشائر في مناهضة البريطانيين والسعي إلى إقناع الأمير ورئيس المجلس التنفيذي بتلبية مطالبهم المتعلقة بوضع دستور عصري للبلاد، وانتخاب مجلس نيابي يمثّل البلاد تمثيلًا سليمًا، ويراقب الحكومة في كل تصرفاتها.
يوضح العارف في هذه اليوميات دوره في إدارة الدولة، وعلاقته الشخصية بالأمير عبد الله ورئيس المجلس التنفيذي، فضلًا عن علاقته بكبار المسؤولين البريطانيين في شرق الأردن. كما يعرض، بشيء من التفصيل، علاقته بالمثقفين وشيوخ العشائر الأردنية. ولا يتردد في بيان تعاطفه مع الشعب الأردني خلال أعوام خدمته في شرق الأردن.
نجد في اليوميات أيضًا مواقف للأمير عبد الله بن الحسين عرضها على ضيوفه، وأقوالًا أدلى بها إلى خاصّته والمقرّبين منه. وتُعبّر هذه المواقف والأقوال عن ألمه تجاه ما جرى في الحجاز عامَي 1924 و1925، وتجاه القضاء على حُكم أسرته الطويل في مكة المكرّمة والحجاز، وإخراجها من موطنها، ومصادرة أملاكها، وتُعبّر كذلك عن مشاعر إنسانية طبيعية مفهومة، وإنْ كانت خارجة عن أصول العلاقات الأخوية العربية واللياقة الدبلوماسية التقليدية.
التزام توثيقي
بحسب مبيضين في المقدمة، اشتملت اليوميات في نسختها الأصلية على بعض الهوامش الشارحة والموضّحة التي وضعها العارف؛ إمّا تعريفًا ببعض الأعلام أو الأماكن والمصطلحات، وإمّا تعليقًا على بعض الأمور في المتن، وهي التي تُركت كما وضعها مؤلِّف اليوميات من دون تمييزٍ أو تعديلٍ، على أنه تمّت إضافة ملاحظات إيضاحية في الهوامش؛ سواء كانت تعريفًا بأعلام أو أماكن، أو تحقيقًا وتوسّعًا في ما ذُكر مِن المتن.
يقول مبيضين: “دوّن العارف يومياته بالتزام توثيقي طريف، في وقته وزمانه، مؤكّدًا على تثبيت مشاهداته وسرد مجريات الأحداث بدقة، ما يجعله مصدرًا معاصرًا للأعوام التي وثّق أخبارها، وهو في ذلك غير بعيد عن وصفه مؤرخًا له العديد من الدراسات والكتب. وهو صاحب رأي في ما يكتب، وما يرى ويسمع، كما لم تمنعه وظيفته السياسية من توجيه النقد للسلطة الحاكمة وللأمير عبد الله وسلطة الانتداب”.
تُميط يوميات العارف اللثام عن كثير من القضايا الداخلية، وتفصّل الحديث عن شكل الإدارة التي نشأت في الأردن بعد عام 1921؛ إذ يقدّم العارف توثيقًا دقيقًا لأوجه النشاط السياسي والاقتصادي وتفاصيل الحكم. ويمكن القول إن يومياته تشكّل رافدًا للباحثين في تاريخ الأردن في حقبة التأسيس، وإنه وقف فيها على كثير من التفاصيل. بيد أنه تناول بعض المسائل على نحو مكثّفٍ مقارنةً بتناوله بعضها الآخر. وهكذا، تشكّلت محاور اليوميات حول وصف سياسة الانتداب، والتنديد بها، ونقدها، مع عرضٍ للأحوال الاقتصادية، وحديثٍ عن البلاط الأميري، وحاشية الأمير، والنخب السياسية في الإدارة الأردنية. ولم يتخلّص العارف من نزعته القومية الرافضة للانتداب والفساد، وكان يرغب في تأسيس كيان وطنيّ مثّل، بالنسبة إليه، لبنةً أولى في سبيل تحقيق النهضة العربية.
الأردن والجوار
يتطرّق العارف إلى الأخبار في جبل الدروز، وبخاصة الثورة التي كانت مشتعلة فيه. كما يتطرق إلى الوضع على الحدود في العقبة ومعان، حيث يحتشد الوهابيون، ذاكرًا إرسال الإنكليز من فلسطين جنودًا بريطانيين وآخرين أردنيين، رابَط قسمٌ منهم على الحدود، في الشمال، في الرمثا، على مقربة من جبل الدروز، في حين رابط قسمٌ آخر منهم على الحدود من جهة الجنوب في العقبة.
فضلًا عن ذلك، يُقدّم العارف صورة عن بعض المدن والنواحي، مثل مدينة معان، واصفًا بيئتها ومبانيها وخططها؛ إذ يقول إنها “واقعة على حافة الصحراء […] لا هي حضرية، ولا هي بدوية، ولكنها أقرب إلى البداوة من الحضارة”، كما يرسم صورة دقيقة عنها، فيراها مدينة ذات أزقة ضيّقة، ومنازل طينية ليس لها نوافذ، ويصفها بأنها محاطة بأسوار طينية، اتقاءً لشر الغزاة، مضيفًا إلى ذلك أنّ شوارعها ترابية.
شهد العارف الهزة الأرضية التي ضربت فلسطين وشرقي الأردن بقوة 6.25 درجة، على سلم ريختر، ظهيرة يوم الإثنين، في 11 تموز/ يوليو 1927، وقد أدّت هذه الهزة إلى وفيات عددية، وتسببت في تدمير عديد المساكن والمرافق، وظلّ الناس في شرقي الأردن وفلسطين يؤرّخون لها باسم “سنة الهزة الكبيرة”.