رمانة

الحق في بلاد الشام واحد، وكذلك الباطل

Tammam Azzam, Paper collage on canvas, 130 x 190 cm, 2022

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

المسألة بسيطة. «الهيئة» و«الحزب» و«الحركة» تنظيمات سياسية في النهاية، وفي ذلك تقاطعٌ لمصالح لا تطابق لمبادئ. أما وقد سقط الخرا، فليكن الحق والباطل من اليوم بيّناً كما لم يكن في تاريخ بلاد الشام. وليكن واحداً، في فلسطين وسوريا ولبنان.

للكاتب/ة

رغم كل هذا التركيب، يبقى الحق في بلادنا الثلاثة بيِّن وواحد، وكذلك الباطل. لأن الحقّ مجرَّد ولا يتبع تحالفات فيها من الملوِّثات الطائفية والبراغماتية ما يكفي.

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

09/12/2024

تصوير: اسماء الغول

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

سليم البيك

روائي وناقد فلسطيني مقيم في باريس. محرّر «رمّان الثقافية». يكتب المقال الثقافي والسينمائي في «القدس العربي». له ٧ كتب منها الروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفّورية». له «تأملات في الفيلم الفلسطيني»، وقريباً «سيرة لسينما الفلسطينيين: محدودية المساحات والشخصيات».

اعتقدتُ، من بين كثيرين، أنّ استعصاءً أصاب التاريخَ في بقاء الأسد، فعلاً، إلى الأبد. من بعد اعتقادات بأن إسرائيل كذلك باقية، في فلسطين وكل بلاد الشام، إلى الأبد. أمس تبيَّن أن لا أبد جاثماً على بلادنا، وأن أسبوعاً يكفي ليقلب شعبٌ التاريخ، ليجلّسه على قدميه، كما فعل طيّبُ الذكر ماركس بهيغل.

الحركةُ سبقت الإدراك في سوريا، سرعةُ الدراجات النارية للمقاتلين المغبرّين والملتحين سبقت سرعة البديهة للمتلقّين، نحن المشاهدين. لسنا هنا أمام مَشاهد من فيلم Mad Max، هذا واقع، ولا يزال في طور التصديق. هذا حلم، ولا يزال في طور التحقيق.

شامنا يتغيّر، ولا أبدَ يا حافظَ الخرا.

واقعنا هذا حقيقي، فرحتنا هذه حقيقية وتستحق صراخها ودموعها التي ستطول، بعد أكثر من خمسة عقود من حكم طاغية الشام، طاغية سوريا ولبنان وفلسطين. من بعد ذلك، وقد انقلب التاريخ على أبده، بقرار من الشعب، لنعُد إلى بديهيّات مشرقيّة شديدة التركيب والتعقيد. تخطّاها، لبؤسنا، أهالٍ من هذه البلاد استراحةً واستكانةً لثنائياتٍ لا تُوجع الرأس.

سآخذ المسألة في كونها مركَّبة وليست معقَّدة. هي محلولة لكنها مركَّبة بشكل يحتاج القليل من الثوابت والكثير من التأنّي، القليل من السياسة والكثير من الأخلاقيات. فلننطلق، لذلك، من حق الشعوب الثلاثة، في فلسطين وسوريا ولبنان، بحياة لا تعوزها الحرية والكرامة، وأنّ لا تناقض بينها بل تكامل، مهما لوّثت هذا الحق تحالفاتٌ جرّت مجازرَ وراءها.

للسوريين الحق التام في مقاومة الطاغية الأسد وفي إسقاطه، وإن كان ذلك بقوى إسلامية ذات تاريخ قريب إجرامي. وللبنانيين الحق التام في مقاومة الاحتلال الصهيوني ودحره، وإن كان ذلك بقوى إسلامية ذات تاريخ قريب إجرامي. تحاربت هذه القوى مع تلك وكانت الضحية سوريين، ضحية التحارب، وضحية إجرام كل من هذه القوى على حدة. الأولى قاتلت ضد الأسد والأخيرة قاتلت معه. اكتملت الثنائيات هنا، فصار سوريون يشمتون بمجازر إسرائيل في لبنانيين، وبدأ لبنانيون يتحضّرون للشماتة في ما يرونه استيلاء جهاديين على دمشق.

ما حال الفلسطينيين هنا؟ إن كان الحديث أعلاه عن كل من «هيئة تحرير الشام» وكافة فصائل المعارضَة المسلّحة، و«حزب الله»، فأين «حركة حماس» بينهما؟ للتنظيم الفلسطيني مواقع ومواقف متغيّرة. هي أولاً إسلامية سنّية كالتنظيم السوري، وهي ثانياً مقاوِمة لإسرائيل كالتنظيم اللبناني. التنظيمان السوري واللبناني متحاربان. قاتلت «حماس» مع السوريين نظامَ الأسد قبل أن تستعيد تحالفَها معه ومع «حزب الله»، وهذا الأخير آثر الدخول في حرب إسناد للفلسطينيين في قطاع غزة، «حماس» تحديداً، منذ أكثر من عام، بدأها بمُشاغلة الاحتلال وانتهت بتضحيات عظيمة، قيادات وأهالي. «الحزب» عدو «للهيئة» وحليف «للحركة». «الهيئة» عدوة «للحزب» وربما «للحركة». «الحركة» عدوة للاحتلال، يجمعها الفكر مع «الهيئة» والممارسة مع «الحزب».

رغم كل هذا التركيب، يبقى الحق في بلادنا الثلاثة بيِّن وواحد، وكذلك الباطل. لأن الحقّ مجرَّد ولا يتبع تحالفات فيها من الملوِّثات الطائفية والبراغماتية ما يكفي.

إن تبعَ أحدنا التنظيمَ تاه معه. للتنظيم السياسي اصطفافات وتقاطعات ليست الأخلاق مكوّناً أساسياً لها، مهما اتَّخذ من مبادئ. اضطرَّ لهذه التحالفات أم حدَّدتها مصالحُه، لا يهم. فقد يكون مجرماً هناك محرِّراً هنا، حال «الحزب» و«الهيئة». أو قامعاً في حالة السلم مقاوماً في حالة الحرب، حال «الحركة». فلتكن للسياسة أولوية على الأخلاق لدى تابعي هذا التنظيم أو ذاك، لدى محازبيه ومناصريه، لا يهم.

لكن، ليكن للموقف المبدئي الأخلاقي مسارَه الخاص، فلا يتبع أحدنا تنظيماً بل يفرح لفعلٍ محدَّد لها التنظيم أو ذاك، ويغضب أو يحزن لفعلٍ آخر، بما تقتضيه أخلاق كلٍّ منّا. الأفعال هي التي تستأهل اتّخاذ المواقف حيالها لا «التنظيم مهما فعل». لا شيء يبرر «للحزب» جرائمه في سوريا رغم عظمة مقاومته في بلده، ولا شيء يبرر «للهيئة» جرائمها كذلك في سوريا رغم عظمة تحريرها بلدها. ولا شيء يبرر «للحركة» انتهازيتها في وقتٍ أمكن لها اتخاذ مواقف مبدئية أخلاقية في حق كل من اللبنانيين والسوريين في الحرية والتحرير، بالتوافق مع مبدئيّتها في حق الفلسطينيين في الحرية والتحرير كذلك.

تحرَّرت سوريا أخيراً من نظام طبعَ المشرق العربي لأكثر من نصف قرن، بتوحّشٍ فاحش أطلقه كالكلاب المسعورة، على سوريين أولاً، وفلسطينيين ولبنانيين ثانياً. خلّصتنا «الهيئة» والتنظيماتُ المقاتلة منه ومن تاريخ اعتقدنا أنّ استعصاءً أبدياً أصابه. «الهيئة» إسلامية، ومتطرّفة، لكنها ومن معها المخلّص من استعصاء الأسد. ولا أحد غيرهم، المسبِّب لفرحةٍ تاريخية قد لا تتكرّر لشعوب الشام. فرحة منقوصة، لي مثلاً، في أنها لم تكن «الهيئة التروتسكيّة لتحرير الشام».

المسألة بسيطة. «الهيئة» و«الحزب» و«الحركة» تنظيمات سياسية في النهاية، وفي ذلك تقاطعٌ لمصالح لا تطابق لمبادئ. أما وقد سقط الخرا، فليكن الحق والباطل من اليوم بيّناً كما لم يكن في تاريخ بلاد الشام. وليكن واحداً، في فلسطين وسوريا ولبنان.

الكاتب: سليم البيك

هوامش

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع