محطات الصمم الموازي

Jaffa 1948 painting, Shaima Farouki, The Palestine Museum, US

منى المصدر

كاتبة فلسطينية

 ومع نسيان -لا تناسي- خطابات استنكار وعد بلفور بذكراه المئة والسبعين؛ لأنه تخلل الإبادة مرة أخرى، دون أن يجفل نوم أحد!  تدخل سفينة "إسرائيلية" السويس، محملة بما يقتلعنا عنوةً  ويُسمح لها "طبيعياً" بأن تمرّ، بدعوى عدم التمييز! 

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

12/12/2024

تصوير: اسماء الغول

منى المصدر

كاتبة فلسطينية

منى المصدر

من مدينة غزة. صدر لها مجموعتان شعريتان: "لأنني أخشى الذاكرة" و"أعد خطاي". بالإضافة إلى مجموعة سردية بعنوان "توقيت". حاصلة على ماجستير في الأدب المقارن. شاركت في أنطولجيتين شعريتين عن غزة برفقة شعراء آخرين. ترجم لها عدة قصائد إلى الإنجليزية والفرنسية.

محطات الصمم الموازي

محطة (1) 

أمام صمم العالم سياسياً وتحالفاً، 

وضجيج الانتخابات الأمريكية بين هاريس وترامب 

التي تُطعم حملاتهم الانتخابية الجمهور ملح دمنا ووعودًا بوقف الإبادة! 

يا للسخف! فنحن محتوًى للساسة مع سقوط الأمم المتحدة كمزحة سمجة

وعلو Arabs Got Talent  بعد أن مسرح نفسه دعماً ودعاة للمقاطعة

ثم، مع أول مصروف جيب رأسماليّ، تنحى فتات الضمير 

وبهتت الشعارات، ونصع الاسم بياضاً بخطاب ممنهج للاوعي الخدر بالتفاهة! 

كم هو فخ أن تكون محتوًى، لا إنساناً 

في زمن إبادتنا! 

محطة (2) 

 ومع نسيان -لا تناسي- خطابات استنكار وعد بلفور بذكراه المئة والسبعين؛ لأنه تخلل الإبادة مرة أخرى، دون أن يجفل نوم أحد! 

تدخل سفينة “إسرائيلية” السويس، محملة بما يقتلعنا عنوةً 

ويُسمح لها “طبيعياً” بأن تمرّ، بدعوى عدم التمييز! 

محطة (3) 

أمام صمم العالم، 

نُؤَسْطَرُ بقهر

ونُسأل  استنكاراً بغتةً: لا يفترض أن تخافوا وأنتم من غزة؟! 

أنتم الأشجع على وجه الأرض… لا داعٍ للخوف! 

ثم أجيب، في محادثة عابرة خارج غزة جغرافياً: 

“صدقني، نخاف ونرتعش. تخيل معي لثانية أننا بشر مثلكم!” 

ويسود الصمت

محطة (4)

في شارع رأسماليّ مبهرج

تحاول أم أن تسكت تدلل طفلتها لوجبة خفيفة أخرى،

بأن تقول لها: “ماما، الأطفال في غزة ليس عندهم ماء ولا طعام ولا دواء. لا بأس أن تفوّتي وجبة خفيفة! لن يحصل لك شيء. فهم ما زالوا شجعان وبخير”!

في مقعد مجاور، أبتلع قهري  ورمسنة “بخير” وأسطورة شجاعتنا التي يبدو أنها تدفع حصان طروادة إلى الترجل بعيداً عن البحر، كي لا تَصُب في أي مكان! 

وأغادر

يبدو أن هذا العالم، لن يهضم ألمنا 

ولن يَعْرفه ويُعَرِّفه

محطة (5)

أمام سؤال: “كيف الحال؟” في مكالمة دولية

تأتي إجابة: “الحمد لله بخير، يا رب تفك الحرب”

دعوة جماعية استسقاءً للأمل 

بينما الحرب، تغرد من السماء والبر والبحر

ولا تسمع إلا نفسها وجوع العدو لقتلنا

ومن ثم، يفوز بأكثر الجيوش أخلاقية في العالم!

على حساب دمنا، وبجهد جبار مُبهِر  في إبادتنا 

حتى اشمأزّت الأرض منهم -بينما لم يتحرك الساسة من عبوديتهم للمال والسلطة والأبيض-، وأصيبت بطفح جلديّ 

لم تقتلعه الغارات 

ولم تعالجه حتى صناديق المُساعَدَةِ المُذِلّة 

طفحٌ أنجب مدرسةً ميدانية في خانيونس 

وكثيراً من القصائد

لتقول الحرب في كل محطاتها 

ألا تكتفي بخبز عظامنا تحت ردم البيوت –أحباءنا الأول

ولتبتلع كل الأسئلة في عوالم موازية تستنطق حقيقتها وتُؤمن افتراضيتها 

وفرضيتها بأننا شعب الجبارين 

بينما قطة جائعة، تنهش جسد أحد شهدائنا في الشارع الممزق بفعل القصف 

والكواد كابتر! 

وتتعرف أم على جسد ابنتها من حذاءٍ ارتدته

لربما، لو ارتدته أختها بدلاً عنها

لفشلت الأم في التعرف على أشلاء ابنتها 

ولخجلت الحرب من محطات قولها وصراخها الأبكم

لو لمرة واحدة، على الأقل! 

 

لا أحد\ شيء يعرفنا 

لا أحد يعرفنا

نحن المجهولون

وزن زائد على “البشرية”

وثقل مهول في ركام بيوتنا 

***

لا أحد يعرفنا 

مقاصلنا كُثر

وتجذر الندب فينا

حتى انتفخت التنهيدات

ثم تعثرنا بها، أثناء اسناد خيمة النزوح 

من منخفض جوي قادم، 

لم يعد يهمنا التهكم على اسمه

في ساحات الجامعة التي نُسِفت! 

***

لا أحد يعرفنا

لا أحد يُعَرِّفنا دون أسطورة

تعدد لون كفننا 

أبيض

أزرق

غطاء سرير بطبعة الورد،

تجدها في كل بيت بعد 2008!

تعدد لون كفننا

ولم يصمد بيت عزاء لنا من الكواد كابتر

والقذائف! 

ولم يمر يوم دون أن نسجل شهيداً مجهول الهوية

ودون أن نرى طفلا مفقودا بين خيام النزوح

لا يعرف اسم أباه، 

يعرف كنيته

والعالم لا يعرفنا 

لا اسما

ولا كنيةً

ولا حياة!

 

لا أحد يعرفنا 

الخيمة لا تكفي وليمة للأمل

“الريشت، النايلون، الشادر”

مفردات لا يعرفها سوى النزوح 

ولا تعرفها حملات التبرعات

ولا حتى نجاتنا المفرطة في المصادفة

***

الشادر الذي كان لشجرة زيتون في موسم الحصاد،

أصبح بديلاً عن السقف في بيت متهالك،

لكنه لدهشة القذائف المدفعية ورصاص الأباتشي 

لا زال واقفاً

فالاعوجاج وقوفاً أيضاً!

***

لا شيء يعرفنا 

أكثر من نافذة البيت 

وبابه

والطريق إليه

وسيارة الأجرة 

وصوت الباعة في المخيم 

والمطر قبل النزوح

والبحر

والأشجار

والبيارة

ومراهنات ان كان الجسم اللامع في السماء طائرة حربية أم نجمة

لا شيء يعرفنا 

أكثر من غزة

لا أحد يعرفنا 

أكثر من هذه المدينة المائلة 

من خاصرة الإبادة

ومصارعات النجاة

لا شيء 

لا أحد 

وحدها غزة،

حبيبتنا المائلة 

تعرفنا 

الكاتب: منى المصدر

هوامش

موضوعات

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع