"كمال عدوان: رجل في ثورة.. وثورة في رجل" (مقدمة وفصل)

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

جسّد كمال، وخصوصًا في قيادته القطاع الغربي بين عامي 1971 و1973، فكرة "الثورة المستمرة" التي تريد إدخال الثورة في البناء الاجتماعي وشخصية الإنسان قبل إطلاق العمليات النضالية. كان يهدف إلى ما يمكن تسميته "تذويت" الثورة، أي جعلها جزءًا من الذات الإنسانية. 

للكاتب/ة

من أسباب عدم حصول كمال عدوان على ما يستحق من التوثيق، إلى جانب أنّ جزءًا كبيرًا من كتاباته لم تكن باسمه بل باسم الحركة، أنّ استشهاده المبكّر أعقبه نوع من الانقسام بين فريقه، وخصوصًا أصحاب الفكر فيه، القادرين على تقديم الشهادة والتوثيق، وخروج بعضهم من الحركة، أو ابتعادهم،

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

28/01/2025

تصوير: اسماء الغول

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

رمان الثقافية

المقدّمة

تُجيب سيرة كمال عدوان، سواء من خلال شهادات عائلته وأصدقائه ومعارفه، أو من عملوا وناضلوا معه، أو أوراقه من يوميات، ورسائل موجّهة لأصدقائه، وكتابات تحريضية وتعبوية وتوعوية موجهة للرأي العام أو داخل حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح"، التي كان كمال من مؤسسيها وقادتها، وهي أوراق منشورة في جزء منها وغير منشورة في جزء آخر، يجيب كل ذلك عن أسئلة عديدة عن تحولات فهم جيله لفكرة الوطنية الفلسطينية بُعيد النكبة في أريعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وعن الجدل بشأن العمل ضمن إطار أمّة عربية، أو إسلامية، أو التحرك ضمن إطار الوطنيّة الخاصة، والعلاقة بين هذه المكونات. كما توضّح كيفية بناء تنظيم شعبي واسع شامل، عسكري وسياسي، ذي أذرع إعلامية، وتكشف بصورة أكبر البناء الفكري للوطنّية الفلسطينية، في الخمسينيات والستينيات وما بعدها.

تكشف أوراق كمال غير المنشورة محاولته المبكرة في مطلع خمسينيات القرن العشرين، حين كان في العقد الثاني من عمره، تكوين أفكار ورؤى لبناء حركة وطنية فلسطينية جديدة بدون أيديولوجيا، أو أحزاب، ويستبدل بالتنظيم الحزبي المؤدلج تنظيمًا حركيًا واسع العضوية. 

كان ياسر عرفات واللجنة المركزية لحركة فتح، ومنذ مرحلة نهاية الخمسينيات، يطلقون على عدوان، كما سيتضح في هذا الكتاب، لقب "معمل الأفكار"، وفي يوم العملية الأولى للكفاح المسلح (عملية نفق عيلبون)، التي تُعرف عادة باسم الرصاصة الأولى، في ليلة 1\1\1965، كُلّف كمال عدوان بتغطية العملية إعلاميًا.

بعد استشهاده، تحديدًا في عام 1974، نشر الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية، والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، كتابًا بعنوان: فتح: الميلاد والمسيرة، يضم تسعة عشر مقالًا ومقابلة كتبها أو أدلى بها عدوان في حياته. يمتاز هذا الكتاب بأهمية كبيرة، أحد زواياها توضيح أن كمال كان أساسيًا في كتابة "أدبيّات" حركة فتح، فكثير من هذه المواد نُشرت في حياته باسم الحركة لا باسمه، ما يشير إلى مركزيته في التعبير عن الحركة وأفكارها، وأنّه أحد أهم من صاغ أدبياتها، وسيأتي بيان ذلك في الفصل الخامس عشر.

جميع الصور من أرشيف كمال عدوان، وهي مقدمة لنا من المؤلف.

وبعد عام من استشهاده، نشر الكاتب والمفكر منير شفيق، دراسة بعنوان: "حول كتابات الشهيد كمال عدوان"، يقول في بدايتها: "سأستعرض فكره من خلال كتاب اته"، ويقول: "إن الأطروحات التي تناولتها كتاباته هي في الجوهر فكر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) [...]، فكتابات كمال عدوان جزء أساسي من تراث فتح الفكري، ولا يمكن لأحد أن يدرس فكر فتح إن لم يدرس كتابات كمال عدوان"1 منير شفيق، "حول كتابات الشهيد كمال عدوان"، شؤون فلسطينية، العدد 32، نيسان/ أبريل 1974، ص 60.

من هنا، يأتي هذا الكتاب ليحقق عدة أهداف؛ أولها دراسة سيرة كمال عدوان باعتباره من جيل النكبة الذي أعاد بناء ذاته بالتعليم والعمل، قبل أن يتفرغ للثورة. وباعتبار كمال من الشباب الذين أعادوا إطلاق الثورة الوطنية الفلسطينية، وباعتباره مفكرًا أعلى من شأن الفكرة الوطنية والعامل الفلسطيني الذاتي في التحرير. كما يساهم الكتاب في تأريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وتفاعلاتها فلسطينيًا، وعربيًا، ودوليًا، ويدقق في بعض الروايات والمسلّمات المتداولة. 

كان جزء من تفكير كمال يتعلق بشكل التنظيم السياسي المطلوب، أي فكرة التنظيم الحركي الجامع الفضفاض، لكنّه كان يؤمن بالانضباط وقدر أكبر من المركزية في التنظيم، لذلك انتقد كثيرًا الحالة التي تقترب من الفوضى في بعض حالات التنظيم، وكان في توليه مسؤولية العمل في الأرض المحتلة، (القطاع الغربي)، في آخر عامين من حياته يحاول إعادة بناء التنظيم.

درس كمال هندسة البترول في جامعة القاهرة، وعمل في قطاع البترول في المملكة العربية السعودية وقطر، وساهم في أثناء ذلك في تأسيس حركة فتح، في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات. كما كان عضوًا في مؤتمر تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وشارك في كتابات ووثائق خدمت تأسيس المنظمة. تفرّغ للعمل الثوري والمقاوم، عام 1968، وتولى قيادة الإعلام والاتصال في حركة فتح، والثورة الفلسطينية، فأدّى دورًا مهمًا في الإعلام الوطني، وتدريب الكوادر الفلسطينية والعربية المناضلة، وإعدادهم سياسيًا وثقافيًا وعسكريًا، ونجح في الوصول إلى المثقفين والناشطين الأوروبيين والغربيين، ليضع مع مساعديه وعشرات الكوادر المناضلة في العالم حركة فتح على خريطة النضال العالمي، بما في ذلك في أوساط اليسار الأوروبي الغربي، وأوساط المؤمنين بحركات التحرر ورفض الاستعمار. كما أدى دورًا مهمًا، خلال الأعوام الأربعة الأخيرة من حياته، في تطوير الحركة الوطنية والثقافية والعلمية والنضالية داخل فلسطين ومأسستها. أما على الصعيد الخارجي، فقد امتد نشاطه إلى بقاع مختلفة في العالم، من أميركا اللاتينية إلى أوروبا وآسيا والولايات المتحدة الأميركية والمشرق العربي، فضلًا عن قيادته نشاط حركة فتح داخل فلسطين المحتلة، فيما يُعرف باسم "القطاع الغربي"2 كان القطاع الغربي مسؤولًا عن نشاط حركة فتح في الأرض المحتلة، وقد تشكّل من عدد من اللجان المناطقية بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، وتولى كمال عدوان قيادته بين عامي 1971 و1973..

يراجع هذا الكتاب معنى "الفكرة الوطنية" التي تبنّتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وتحديدًا كما فهمها كمال عدوان، وعبّر عنها في اعتقاداته الفكرية وممارسته السياسية، وكتاباته المنشورة غير المنشورة، فهذه الفكرة لم تنَلْ حظها الكافي من الدراسة، أو حتى في الكتابات النظرّية لأصحابها المؤسسين، ومنهم كمال عدوان، نتيجة انشغال كوادر العمل الفلسطيني، وتلك القيادة، وتوجه طاقاتهم إلى المواجهة اليومية مع الاحتلال والعمل السياسي عمومًا، دون إنتاج كافٍ منهم في التوثيق والتنظير المنشور، فضلًا أن ما نُشر كان غالبًا على شكل كتابات وكتيّيات حركّية (تنظيمية) بدون أسماء أشخاص، ما أبقاها في الإطار التنظيمي وقلّل من النظر إليها منتجًا فكريًا.

من أسباب عدم حصول كمال عدوان على ما يستحق من التوثيق، إلى جانب أنّ جزءًا كبيرًا من كتاباته لم تكن باسمه بل باسم الحركة، أنّ استشهاده المبكّر أعقبه نوع من الانقسام بين فريقه، وخصوصًا أصحاب الفكر فيه، القادرين على تقديم الشهادة والتوثيق، وخروج بعضهم من الحركة، أو ابتعادهم، أو إبعادهم، عن تولي مواقع مهمة في الحركة، كما سيأتي بيانه في الكتاب، واستشهاد واختفاء بعضهم، فقد كان وجود كمال نوعًا من عوامل الجذب والتماسك بين هؤلاء ومع الحركة. 

يستند الكتاب، بالدرجة الأولى، إلى المصادر الأساسية، المتمثلة بيوميات غير منشورة لكمال عدوان، بدءًا من عام 1953، والتي دُوّنت في دفاتر عدة، جزءٌ كبير منها رسائل كان يخطّها ويرسلها إلى أصدقائه، ويبدو أنّه، لحسن الحظ، واظب على نسخها في دفاتره، وللأسف لم تتوافر ردودهم عليها. كما أنه ترك مشاريع أعمال أدبية وروايات وقصصًا، ومخططات سياسية ونضالية بخط يده، فضلًا عن محاضرات وندوات. وقد جُمعت هذه الأوراق من عائلته وأصدقائه3 بحسب توضيح زوجته، السيدة مها الجيوسي، فقد ترك كمال 12 رواية وقصة قصيرة، يتوفر الآن جزء منها بين أوراقه وليس جميعها، وقد أودعت أوراقه ومذكراته المهمة في مرحلة تأسيس حركة "فتح"، خصوصًا ما يتعلق بـ "ميثاق" الحركة، نهاية السبعينيات في ذمة "صديقه ورفيق درب الكفاح الشهيد أبو جهاد (خليل الوزير) في منزلة في دمشق"، ويُعتقد أنّ الأوراق فُقدت عندما داهمت القوات السورية المنزل أوائل الثمانينيات وصادرتها. .

كما استفاد الكتاب من مقابلات أساسية مع 28 شخصًا؛ مع عائلته في غزة وعمّان، وأصدقائه ورفاقه في فلسطين والأردن ولبنان وقطر، ومن مذكرات أشخاص عاصروه، بعضها منشورة، وبعضها اطلع عليها الكاتب وهي لا تزال مخطوطة وفي طور النشر؛ بعضها نُشر في أثناء إعداد الكتاب، وبعضها قد يُنشر لاحقًا، وجزء آخر بقي على هيئة أوراق شخصية قد لا تُنشر يومًا. إضافة إلى أرشيف واسع من الصحف والمجلات والكتب العربية والأوروبية والأميركية والإسرائيلية التي تغطّي تلك الفترة، باللغات العربية والعبرية والإنكليزية، وإصدارات حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. 

خلال المقابلات عام 2016، صمتت زوجته، السيدة مها الجيوسي (أم رامي)، ثم قالت: "ليت المقابلات كانت قبل عشرين عامًا، فمُضِيّ 43 عامًا أدى بالتأكيد إلى تشوّش كثير من الأحداث في الذاكرة، وربما مسح بعضها"، وقد ضاعف ذلك صعوبة مهمة كتابة هذا التاريخ، وضاعف أهمية المقارنة بين الروايات وتحليلها والبيانات والوثائق المكتوبة، المنشورة وغير المنشورة، والسياقات التاريخية للوقائع والأحداث. وقد اشتكى أكثر من شخص قابلهم الباحث من صعوبة التذكر بعد مرور هذه الأعوام4 عندما قابلتُ الآخرين، مثل أبو نائل القلقيلي، (أو أبو نائل فيتنام بحسب ما يعرفه آخرون، أو القلّيلي بحسب اسمه الحقيقي)، أحد الذين عملوا مع كمال في نهاية الستينيات، بادرني بقوله: "قبل أن نبدأ الحديث، يجب ألّا تتوقع أن ذاكرتي قوية كأنّ الحدث قد وقع بالأمس، أو كأني شاب قوي الذاكرة". والأمر لم يكن مختلفًا مع د. راجي نصّار ونزيه أبو نضال اللذين عملا معه بين عامي 1968 و1973، وبسام أبو الصلح، وهو مهندس معماري رافق كمال في العمل السري، بادرني بقوله على الهاتف عندما اتصلت لأطلب مقابلته: "لكن هذا كان منذ وقت طويل…"، وعندما وافق على إجراء المقابلة أبدى شكّه أن يتذكر ما يكفي..

في المحصّلة، جُمعت مادة غنّية تكشف تفاصيل تاريخية، وتصحّح بعض الروايات الشائعة، وتعمّق فهم بعض الأحداث وتكشف تفاصيل أكثر عن طريقة تفكير الشباب الذي أعاد تأسيس العمل الفلسطيني في الستينيات، وأوجد أطرًا تنظيمية ما زالت حاضرة حتى اليوم. 

جسّد كمال، وخصوصًا في قيادته القطاع الغربي بين عامي 1971 و1973، فكرة "الثورة المستمرة" التي تريد إدخال الثورة في البناء الاجتماعي وشخصية الإنسان قبل إطلاق العمليات النضالية. كان يهدف إلى ما يمكن تسميته "تذويت" الثورة، أي جعلها جزءًا من الذات الإنسانية. 

يضمّ هذا الكتاب ستة عشر فصلًا، تتسلسل إلى حد كبير متتبّعة المراحل الزمنية السياسية المختلفة في حياة كمال عدوان، وينتهي بملحق للوثائق والصور، وفهرس عام للأعلام والأماكن والموضوعات.

يمكن هنا قراءة الفصل ١٢ من الكتاب...

الهوامش

  • 1
    منير شفيق، "حول كتابات الشهيد كمال عدوان"، شؤون فلسطينية، العدد 32، نيسان/ أبريل 1974، ص 60
  • 2
    كان القطاع الغربي مسؤولًا عن نشاط حركة فتح في الأرض المحتلة، وقد تشكّل من عدد من اللجان المناطقية بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، وتولى كمال عدوان قيادته بين عامي 1971 و1973.
  • 3
    بحسب توضيح زوجته، السيدة مها الجيوسي، فقد ترك كمال 12 رواية وقصة قصيرة، يتوفر الآن جزء منها بين أوراقه وليس جميعها، وقد أودعت أوراقه ومذكراته المهمة في مرحلة تأسيس حركة "فتح"، خصوصًا ما يتعلق بـ "ميثاق" الحركة، نهاية السبعينيات في ذمة "صديقه ورفيق درب الكفاح الشهيد أبو جهاد (خليل الوزير) في منزلة في دمشق"، ويُعتقد أنّ الأوراق فُقدت عندما داهمت القوات السورية المنزل أوائل الثمانينيات وصادرتها.
  • 4
    عندما قابلتُ الآخرين، مثل أبو نائل القلقيلي، (أو أبو نائل فيتنام بحسب ما يعرفه آخرون، أو القلّيلي بحسب اسمه الحقيقي)، أحد الذين عملوا مع كمال في نهاية الستينيات، بادرني بقوله: "قبل أن نبدأ الحديث، يجب ألّا تتوقع أن ذاكرتي قوية كأنّ الحدث قد وقع بالأمس، أو كأني شاب قوي الذاكرة". والأمر لم يكن مختلفًا مع د. راجي نصّار ونزيه أبو نضال اللذين عملا معه بين عامي 1968 و1973، وبسام أبو الصلح، وهو مهندس معماري رافق كمال في العمل السري، بادرني بقوله على الهاتف عندما اتصلت لأطلب مقابلته: "لكن هذا كان منذ وقت طويل…"، وعندما وافق على إجراء المقابلة أبدى شكّه أن يتذكر ما يكفي.

هوامش

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع