رسالة برلين السينمائي: "آري"

modified

15/02/2025

تصوير: اسماء الغول

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

سليم البيك

روائي وناقد فلسطيني، باريس. مؤسس ومحرر «رمان الثقافية». يكتب أسبوعياً في «القدس العربي». له ٧ كتب منها الروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفورية». له «تأملات في الفيلم الفلسطيني»، و«سيرة لسينما الفلسطينيين: محدودية المساحات والشخصيات» الصادر أخيراً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

في الفيلمين السابقين للمخرجة الفرنسية ليونور سرايل، تمر أساسياً أو ثانوياً، أبوةٌ أو أمومةٌ في حالة تعقيد. هو ما نراه كذلك في فيلمها الثالث، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، "آري" (Ari).

لكن حالة التعقيد هذه والممتدة على طول الفيلم، في علاقة آري بالأطفال، وتحديداً بطفلته التي سيعرف عنها لاحقاً، ستتوازى مع تعقيدات أخرى في حياته، جميعها ثانوية تتراصف لتشكّل تعقيداً واحداً ومتكاملاً، ومسيطراً على حياة الشاب العشريني، وتالياً على عموم الفيلم المبني على الحالة النفسية المربكة لآري، والمنعكسة في علاقاته مع من حوله.

الفيلم شديد الحساسية تجاه شخصيته، المرهف، حام حول شاب مكسور، هشّ، يحصل أن يسقط على الأرض فجأة أو ينهار بالبكاء أو الضحك أو الغضب، وفي ثلاثتها محفّز واحد متعلّق بحياته التي يعيشها على الحواف.

آري، اللطيف الهادئ، يفقد وعيه أمام الأطفال خلال حصّته، يترك عمله، فيتنقّل ضمن شخصيات أخرى، والده الذي يرفض أن يصرف على الولد العاطل عن العمل، صديق قديم يتمتع بكل الامتيازات الاجتماعية التي لم ينلها آري، كابن عامل ودهّان، حبيبته التي حملت منه ولداً وتركته بعدما لم يرغب به.

يلتقي آري بآخرين، وكانت الوظيفة الدرامية لكل من هذه الشخصيات إبراز جانب آخر لآري، جانب يقدّم تعقيداً على آخر، ويزيد من حالة الحافة التي يعيشها الولد. كأن الجميع يتقدم إليه، كلٌّ بدوره، لا آري يتنقّل في زياراته من طرف شخصية لأخرى تماماً كما يتنقل بين الحواف.

ليس لآري عمل ثابت، يبدأ الفيلم بتركه مهنته. وليس له علاقة مطمَئنة مع والده، ومن حواراتهما نفهم أن مشاكل كثيرة جمع بينهم ومعهما والدته الغائبة تماماً في الفيلم، التي نراها وحسب في مشهد أوّلي تلعّب آري الطفل. لم يكن يريد طفلاً لأنه لم يكن مستعداً، وهو المحب دائما للأطفال كما نرى على طول الفيلم. صديقته أرادت الطفل فتركته منتقلةً من باريس إلى ليل. هناك سيلتقي بها ويعرف أنها أنجبت طفلة تشبهه. من بعد كل ذلك، سيمر مشهد صغير ندرك فيه ارتباك آري حتى في هويته الجنسية، كان ذلك خلال فرحه لكونه أباً جديداً لطفلة بعمر سنتين. حتى الفرح كان مربكاً.

لا هو مستقر في كونه ابناً ولا أباً، ولا في كونه حبيباً ولا صديقاً. هو وحيد كفرس البحر الذي حاول شرح قصته للأطفال.

الفيلم متكامل في رهافته، لا في موضوعه وحسب، بل في تناوله للموضوع، الحوارات الحساسة، التمثيل الواقعي والعفوي، حتى التقطيع الذي رافق المشاعر المرتبكة، الطويلة والقصيرة والمقتطّعة، لآري. الفيلم رسالة حب تجاه شاب وحيد لا أحد يرى مشاعره، أمامه أسباب يمكن أن تسعده لكن ارتباكات ما تحوم حولها، تحول بينه وبينها.

الكاتب: سليم البيك

هوامش

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع