رسالة برلين السينمائي: "المسار الأزرق"

modified

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

كانت السيدة تعيش لوحدها، تعمل بجد، تخرج مع صديقتها، قبل أن يجبرها نظام رأسمالي على اعتقادٍ بأنها عالة، وعلى التصرف بحسب ذلك، وأخيراً على الخضوع لتبعات ذلك.

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

16/02/2025

تصوير: اسماء الغول

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

سليم البيك

روائي وناقد فلسطيني، باريس. مؤسس ومحرر «رمان الثقافية». يكتب أسبوعياً في «القدس العربي». له ٧ كتب منها الروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفورية». له «تأملات في الفيلم الفلسطيني»، و«سيرة لسينما الفلسطينيين: محدودية المساحات والشخصيات» الصادر أخيراً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

في عموم سينما أمريكا اللاتينية، وللإرث التاريخي والسياسي وبالتالي الثقافي ومنه السينمائي لهذه القارة، ومهما كان موضوع الفيلم، نجد غالباً مساحات خاصة بالمسائل الاجتماعية، الطبقيّة منها تحديداً، وقد تذوّتت هذه المسائل بالمواضيع الأدبية والسينمائية هناك، من بينها كان هذا الفيلم، "المسار الأزرق" (The Blue Trail).

فيلم البرازيلي غابرييل ماسكارو المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، وإضافة إلى الإشارة أعلاه، له إرث سينما اجتماعية تخصصت بها السينما البرازيلية قبل أكثر من نصف قرن، "سينما نوفو"، أو النسخة البرازيلية/اللاتينية من "الواقعية الجديدة" الإيطالية/الأوروبية. فلا ينقل هذا الفيلم، حَسَنُ القصّة والصورة، مساراً شاقاً لسيدة أوصلها فقرُها إليه، بل مع إشارة إلى أن الأغنياء غير مضطرين إلى اتخاذ المسار ذاته.

أما المسار فهو أساس القصة: الدولة تجبر المتقدمين في العمر على الالتحاق بمستعمرة، نوع من دار مسنّين يبقى فيه هؤلاء، غير المفيدين في المجتمع، إلى أن يتوفّوا. المرأة التي أُجبرت، وهي على رأس عملها، على ترك العمل، ومُنحت ابنتها "حضانة" أمّها، كصاحبة قرار في شأنها، فلا تستطيع الأخيرة السفر من دون إذن الأولى.

يظهر الفيلم هذا التوجهَ الحكومي بشكل كاريكاتوري، في إعلانات متكررة بأن الحكومة تتوّج هؤلاء "العجزة"، في كونهم تراثاً وطنياً حيّاً، قبل أن تلاحقهم وتعتقلهم مودعة إياهم في عربة بقفص مكشوف، كما تُلتقَط الحيوانات السائبة، المشكلة خطراً على المجتمع.

من البداية، تقرر السيدة الهرب، والفيلم كلّه متمحور حولها، الشخصية هنا هي الفيلم. تقرر أن تحقق حلمها في ركوب طائرة قبل أن يلتقطوها ويودعوها في المستعمرة، تقوم برحلة في مياه الأمازون لذلك، سائق القارب يخبرها عن سائل أزرق تفرزه حلزونة نادرة، القطرة منها في العينين تكشف المستقبل.

لكن الفيلم المتبعثرة فيه عناصر واقعية سحرية لاتينية، مدموجة بالمسألة الاجتماعية، والمنغمس في مياه الأمازون وغاباته، يتخذ، الفيلم، بلحاقه بالسيدة، مساراً جاعلاً من السائل الأزرق في صلبَ مسألته الاجتماعية، ليكون المستقبل بمسار أزرق، مائيّ، مودٍ إليه، هو القرار بالرفض، والهرب فعلاً لا خرافةً، إلى الحرية التي تجدها السيدة مع أخرى تشاركها سفينة.

يمكن للفيلم أن يكون تمثيلاً لحال أفراد تقدموا في العمر وصاروا في نظر الدولة والمقربين عالةً، وإن لزم الأمر أُجبر الأفراد على أن يكونوا عالة، وإن تطلب ذلك ملاحقة واعتقالاً وتضييقاً في التنقل.

كانت السيدة تعيش لوحدها، تعمل بجد، تخرج مع صديقتها، قبل أن يجبرها نظام رأسمالي على اعتقادٍ بأنها عالة، وعلى التصرف بحسب ذلك، وأخيراً على الخضوع لتبعات ذلك.

الكاتب: سليم البيك

هوامش

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع