يتقبّل أحدنا أفكاراً خارجة عن العادة، أو عادات خارقة، في التيليباثي مثلاً، التخاطر أو الحدس، وهو حال فيلمنا هذا، حيث تستطيع طفلة أن ترى وتسمع، عن بعد، ما يفعله ويقوله والداها، يتقبّل أحدنا هذه الفكرة في كوميديا أكثر مما يفعل في فيلم واقعي يكون درامياً.
عائلة ألمانية، يعمل كل من الأب والأم في شركة، الطفلة في المدرسة. تبدو الحياة سهلة وسعيدة في البداية، في بيت عصري، لا ينقص العائلة سوى قليل من الصدق، القليل الضروري، في علاقات أفرادها الثلاثة. هو ما لم يكن ليلاحَظ ما لم تشعر الطفلة بقدراتها الجديدة التي ستخبر والديها عنها.
فيلم الألماني فريدريك هامبليك، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، "ما تعرفه مارييل" (What Marielle Knows) وضعنا في سياق واقعي لكنه متمحور حول القدرة فوق العادية للطفلة، ما سيكشف كمّ الرّياء والكذب الذي يعيشه الزوجان، باعتقاد ظاهري لكليهما بأن الحياة سعيدة كذلك، من دون معرفة الكثير، أو الحقيقي، في حياة الشريك.
في كوميديا مفارقاتيّة خفيفة، كاشفة لواقع هذه العلاقة، ومن خلالها علاقات شريحة واسعة من الأزواج، تتكدّر الأحاديث. المتوقَّع صار مجهولاً، اليوميات الآمنة صارت مهدَّدة، كلام كل من الزوجين وسلوكه، في عمله، صار تحت كامرا مراقبة أو امتحان دائم للكذب.
فجأة تغيَّر كل منهما لمعرفة مسبقة أن الطفلة تسمع وترى، من حيث لا يدريان، وأنها ستخبرهما مساء، على طاولة العشاء، كيف أمضى كل منهما نهاره. هنا، تتبدى نوايا الخيانات مثلاً. فجأة تصبح حياة العائلة، من بَعد الاستقرار، أو ما بدى استقراراً، تصبح مليئة بالكذب والنفاق. كانت مليئة لكنها تكشّفت وحسب.
هي كوميديا اجتماعية، كوميدي أوف مانرز. هي استعادة لكوميديا راسخة في تاريخ المسرح، أبطالها برجوازية تمتلئ حياتها بالرياء، الهيبوكريسي، لكن الفيلم حمل هذا النوع من الكوميديا إلى زمن راهن، عصري، لأن الهفوات ومكامن الضعف الإنسانية متخطية للعصور، حملها من خلال حدس طفلة لا يخطئ، مستمد من تجربة إنسانية حديثة في التنصّت. الأخ الأكبر لدى جورج أورويل يصبح هنا الطفلة الصغرى، المراقَبة تصبح حدساً. يخاف أحد الأبوين من الكلام متلفّتاً حوله كأنّ للحيطان آذان.
الحالات تتفاوت لكن الثابت في كل ذلك، في تغير الأزمنة والسياقات والغايات، الثابت يبقى الغريزة الإنسانية في ضرورة الإخفاء والتخفي، في الحاجة إلى الكذب والمراوغة.