"العدالة للبعض": القانون أداة للتغيير

هزار حسين

كاتبة من فلسطين

إن الفرص الكامنة في الاستفادة من الأطر القانونية تستوجب بناء مؤسسات فلسطينية قادرة على خوض معارك قانونية دولية مستدامة، وتحقيق نجاحات ملموسة تدعم الحقوق الوطنية؛

للكاتب/ة

يمكننا أن نجد صدًى لهذا التوجه في التاريخ الأوروبي أيضًا، وتحديدًا خلال الحقبة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، إذ استخدمت القوى الاستعمارية القانون الدولي لإضفاء الشرعية على احتلال الأراضي ونهب ثرواتها. فرنسا، على سبيل المثال، وضعت قوانين محلية ودولية لشرعنة سيطرتها على الجزائر،

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

27/02/2025

تصوير: اسماء الغول

هزار حسين

كاتبة من فلسطين

هزار حسين

في كتاب "العدالة للبعض: القانون ومسألة فلسطين" (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ٢٠٢٤)، تقدم نورا عريقات تحليلًا حكيمًا عن التعقيد العميق في العلاقة بين القانون والسياسة فيما يخص القضية الفلسطينية. بأسلوب علمي مدعوم بأمثلة تاريخية، تناقش كيف أن القانون الدولي لم يكن دائمًا أداة لتحقيق العدالة، بل في كثير من الأحيان كان أداة لتعزيز الاحتلال الإسرائيلي. وتؤكد عريقات أن القانون ليس خيرًا أو شرًا بطبيعته، بل هو أداة تخضع للقوى السياسية التي تشكل تطبيقه، ما يوفر عدسة فريدة لإعادة تصور الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.

إحدى النقاط الرئيسية التي تناولتها عريقات هي تحليل اتفاقية أوسلو، إذ تشير بوضوح إلى أن هذه الاتفاقيات لم تكن مجرد محاولة لتحقيق السلام، بل كانت عملية قانونية منظمة لإضفاء شرعية على الاحتلال. هذه النقطة أثارت اهتمامي، لأننا غالبًا ما ننظر إلى أوسلو باعتبارها "خطأ سياسيًا"، لكن عريقات توضح كيف أن البنية القانونية نفسها صُممت لتقييد الطموحات الفلسطينية. هذه القراءة تستدعي التأمل في طريقة استخدام القانون وسيلةً لإضفاء الشرعية على مشاريع استعمارية، وهو أمر ليس مقتصرًا على فلسطين وحدها.

في التاريخ الحديث، نجد أمثلة مشابهة في جنوب أفريقيا في عهد نظام الفصل العنصري. فقد استُخدمت القوانين بشكل ممنهج لتقنين التمييز العنصري وقمع السكان الأصليين. ومع ذلك، كانت الأطر القانونية نفسها ساحة للنضال القانوني الذي ساهم في نهاية المطاف في تفكيك هذا النظام الظالم. هذا يوضح كيف أن القانون، رغم خضوعه للقوى المهيمنة، يمكن أن يتحول إلى أداة فعالة للمقاومة إذا استُخدم بذكاء.

تحدثت عريقات أيضًا عن الانتفاضة الثانية وكيف استُخدم القانون لتبرير القمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، سواء من خلال خطاب "مكافحة الإرهاب" أو تبرير الحصار على غزة. هنا، يمكنني أن أرى رابطًا مباشرًا مع تجارب معاصرة، إذ يستمر الاحتلال في استخدام اللغة القانونية لتبييض الانتهاكات في الساحة الدولية. الخطاب القانوني لم يكن مجرد وسيلة لتبرير العنف، بل أداة لتحييد النقد الدولي وإضفاء الشرعية على سياسات الاحتلال.

إن هذا النهج الإسرائيلي يجد أصداءً في سياسات دولية أخرى. فعلى سبيل المثال، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، شهد العالم موجة من التشريعات التي استخدمت "مكافحة الإرهاب" ذريعةً لتقييد الحريات وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان. هذه التشريعات غالبًا ما وُجّهت ضد مجتمعات محددة وأضفت شرعية قانونية على ممارسات كانت تُعتبر سابقًا انتهاكات.

يمكننا أن نجد صدًى لهذا التوجه في التاريخ الأوروبي أيضًا، وتحديدًا خلال الحقبة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، إذ استخدمت القوى الاستعمارية القانون الدولي لإضفاء الشرعية على احتلال الأراضي ونهب ثرواتها. فرنسا، على سبيل المثال، وضعت قوانين محلية ودولية لشرعنة سيطرتها على الجزائر، وبررت هذه القوانين عبر مفاهيم "الحضارة" و"النظام". هذا يوضح أن القانون غالبًا ما كان أداة بيد القوى المهيمنة، لكن ذلك لم يمنع وجود حركات مقاومة قانونية أدت في النهاية إلى الاستقلال.

لكن الكتاب لا يتوقف عند هذا الجانب السلبي، بل يقدم تحليلًا للفرص التي يمكن أن يُستغل فيها القانون لإعادة توجيه مسار النضال الفلسطيني. أحد أبرز الأمثلة في هذا المضمار هو قرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار الفاصل عام 2004، الذي أثبت أن القانون يمكن أن يكون أداة مقاومة فعالة إذا أُحسن استخدامه. هذا القرار جاء بناءً على جهود قانونية فلسطينية ودولية حثيثة لكنه للأسف لم يكن له تأثير عملي كبير على الأرض بسبب غياب استراتيجية فلسطينية موحدة لاستثماره سياسيًا.

يمكننا أن نجد مثالًا مشابهًا في تجربة الحركة الحقوقية الدولية ضد الأبارتهايد في جنوب أفريقيا. فعلى الرغم من تبنّي المجتمع الدولي قرارات تدين نظام الفصل العنصري منذ وقت مبكر، فإن التأثير الحقيقي لم يتحقق إلّا بعد بناء حملة متكاملة جمعت بين الضغط القانوني والعقوبات الاقتصادية والحشد الجماهيري. يوضح هذا أهمية تبني نهج شامل يجمع بين القانون وأدوات الضغط السياسي لتحقيق نتائج ملموسة.

في السياق نفسه، يمكننا الاستفادة من تجارب المجتمعات الأصلية في الولايات المتحدة وكندا، التي نجحت في تحقيق انتصارات قانونية مهمة من خلال استراتيجيات قانونية مبتكرة. على سبيل المثال، استطاعت بعض القبائل الأصلية استعادة أراضٍ وحقوق مائية بعد معارك قانونية طويلة استندت إلى معاهدات تاريخية. هذه النجاحات لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة جهود قانونية منظمة ومستدامة.

يمكن للحجج الأساسية لهذا الكتاب أن تكون حجر الأساس لجهد فلسطيني جديد في مجال الضغط السياسي، جهد لا يقتصر على السعي لتحقيق العدالة فقط، بل يستغل القانون والسياسات بشكل استراتيجي لتغيير ميزان القوى لصالحنا؛ إذ إن إدراك الطبيعة الديناميكية للقانون وتطوير استراتيجيات فعالة لاستثماره يمكن أن يُحدث تحولًا جوهريًا في مسار النضال الفلسطيني.

يبقى الكتاب شهادة مهمة على قدرة القانون على أن يكون أداة للتغيير عندما يترافق مع رؤية استراتيجية. إن الفرص الكامنة في الاستفادة من الأطر القانونية تستوجب بناء مؤسسات فلسطينية قادرة على خوض معارك قانونية دولية مستدامة، وتحقيق نجاحات ملموسة تدعم الحقوق الوطنية؛ إذ إن التحول من موقف الضحية إلى الفاعل الاستراتيجي يتطلب إعادة تشكيل العلاقة مع القانون ليصبح وسيلة للتحرر والتمكين.

الكاتب: هزار حسين

هوامش

موضوعات

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع