رمانة

كان السينمائي: في "سيرات" التكنو رقص صوفي

من الفيلم، معدلة.

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

صوت عذب لقارئ آيات قرآنية تستحوذ على الأجواء لدقائق، صور تلفزيونية من مكة، تقطعها موسيقى التكنو الضاربة، الهاردكور، تحمل صوفية القرآن إلى صوفية الرقص المندفع بالتكنو. يقول الأب إنه لا يسمع موسيقى، تقول امرأة إن هذا الصوت ليس للاستماع، بل للرقص.

للكاتب/ة

يحكي الفيلم، ظاهرياً، عن أب إسباني أتى إلى حفلات تكنو في الصحراء المغربية باحثاً عن ابنته، يحكي الفيلم، باطنياً، عن رقص صوفي صحراوي لا للبحث عما هو خارجه، عما هو غير موجود كالابنة، رقص صوفي للبحث عن اللاموجود، رقص لفعل البحث ذاته، وحسب، الرقص هنا هو الطريق الذي لا غاية مرجوّة منه.

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

16/05/2025

تصوير: اسماء الغول

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

سليم البيك

روائي وناقد فلسطيني، باريس. مؤسس ومحرر «رمان الثقافية». يكتب أسبوعياً في «القدس العربي». له ٧ كتب منها الروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفورية». له «تأملات في الفيلم الفلسطيني»، و«سيرة لسينما الفلسطينيين: محدودية المساحات والشخصيات» الصادر أخيراً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

بدأت ملامح المهرجان في مسابقته الرسمية، بالاتضاح مع اليوم الثاني، بفيلمين ممتازين، Sirat للإسباني أوليفر لاكس، الأقرب ليكون رحلة تمزج الصوفية بالتكنو، في صحراء مغربية، فيلم طريق وفيلم صحراء، ديستوبيا حرب عالمية ثالثة تدور في الخلفية. معه فيلم فرنسي، شديد الواقعية والراهنية، Dossier 137 للفرنسي دومينيك مول، تناول السترات الصفر والعنف البوليسي.

"سيرات" فيلم أجوائي، تأملي، روحي، وإن بعنف نفسي يمتد من الموسيقى إلى الرقص فالانفجارات. فيلم متكثفة فيه أنواع سينمائية تجاورت بشكل جعل الفيلم متقلّباً بين الواقع والخيال، بين زمانه المستقبلي، القيامي في الخلفية، وبين موقعه المحدد كلاماً فقط، صحراء مغربية، صحراء أمكَن لها أن تكون كل العالم.

"سيرات" مكتنز بالتراث السينمائي، فيه نتذكر أجواء "باريس تكساس" لكن فيلماً آخر يزيحه ويحضر بشدة، "ماد ماكس". ففي الأول صحراء مترامية يتوه فيها الأمل في العثور على الزوجة. في "سيرات" سيتوه الأب باحثاً في صحراء ديستوبية، عن ابنته. في "ماد ماكس" تتحول الصحراء إلى طريق، تتحول إلى مواقع جهنمية لفيلم طريق. في "سيرات" كذلك تنتقل عربات "ماد-ماكسيّة" متسابقة في صحراء هي هنا كذلك بألوان متباينة. الصحراء هنا ستصير جحيماً، لكن للتأمل لا للانبهار. الجبال تصير مقابر، حقول الألغام تدخل في السرد فينقلب الفيلم إلى الكارثة. حالة ديستوبيا مستقرة، بعيداً عن أخبار إذاعية عن حرب عالمية ثالثة حيث لا بد أن تتركز الكارثة بعيداً عن الصحراء. تفقد الحالة استقرارها بحقول ألغام في منتصف اللامكان. شخصيات رئيسية بدأت تتحول إلى غبار.

الفيلم مغامرة سينمائية في عالم قياميّ لا أناس فيه ولا حضارة، لا أشياء ولا أشجار. الفيلم رمال وشاحنات وأفراد غرباء، مقطوعي الأطراف وموشّمين، يتكلمون أكثر من لغة، كأنهم شياطين، بشَعر كأنه قرون، وملابس دراكوليّة. طفل يموت بكل تفاهة، من بعد التعلّق به. اختفى. الابنة التي كان الفيلم أصلاً رحلة البحث عنها، غير موجودة. نحن هنا في الجحيم؟ في فيلم جحيمي؟

صوت عذب لقارئ آيات قرآنية تستحوذ على الأجواء لدقائق، صور تلفزيونية من مكة، تقطعها موسيقى التكنو الضاربة، الهاردكور، تحمل صوفية القرآن إلى صوفية الرقص المندفع بالتكنو. يقول الأب إنه لا يسمع موسيقى، تقول امرأة إن هذا الصوت ليس للاستماع، بل للرقص.

يحكي الفيلم، ظاهرياً، عن أب إسباني أتى إلى حفلات تكنو في الصحراء المغربية باحثاً عن ابنته، يحكي الفيلم، باطنياً، عن رقص صوفي صحراوي لا للبحث عما هو خارجه، عما هو غير موجود كالابنة، رقص صوفي للبحث عن اللاموجود، رقص لفعل البحث ذاته، وحسب، الرقص هنا هو الطريق الذي لا غاية مرجوّة منه.

الكاتب: سليم البيك

هوامش

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع