في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، في بيروت

"تحية لأسرى وأسيرات الحرية": الفنّ كحالة فلسطينية

2022-04-11 15:00:00

الصور لرامي ماهر

أما الحلم فيتجلى في اللوحة في الأرجوحة التي يجلس عليها الأسير وهو معصوب العينين، في مكان تمنع فيه الأحلام، يرى حدود تجربته في الحياة التي تنتظره خارج المعتقل، لذلك الأرجوحة التي في الزنزانة هي صورة كبيرة للأسير الحالم غير المكترث بكل الظروف الصعبة التي يفرضها المعتقل عليه،

ما يحد العالم من قضايا يضيء على تجارب تعيد صيغة النضال من أجل الحرية، من الغرف السوداء التي يعتقل فيها آلاف الأسرى الفلسطينيين والمعتقلين في العالم، إلى الضوء الخافت الذي يتركه الفن وهو يضع قضية الأسرى على الخارطة الثقافية. افتتح الجمعة، 1 نيسان/إبريل، معرض "تحية لأسرى وأسيرات الحرية" في مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت ضمن قاعة "الكلمة الرمز فلسطين" بمشاركة 30 فناناً من مختلف دول العالم استعادوا من خلال فنهم معاناة الأسرى في تجربة البحث عن الحرية، ويحاول المعرض أن يعرض قضية الأسرى من الداخل بلوحات أنجزت بمواد مختلفة وفيديوهات وصور فوتوغرافية ومنحوتات وأعمال تركيبية، بما فيها من احتمالات لا يراعى فيها العبور المثقل للزمن، حين يعيش الأسرى الفلسطينيون أغلب حياتهم في المعتقلات، كما يقدم المعرض ملصقات من أرشيف كل من مؤسسة الدراسات الفلسطينية ودار النمر، وتم اختيار 13 ملصق صدرت من جهات مختلفة، وقد نشرت ووزعت خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. 

في مقابلة مع القيمة على المعرض رنا عناني قالت: "لقد انطلق هذا المعرض لأن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في آخر ثلاث سنوات ركزت عملها على موضوع الأسرى خاصة في الكتب والمجلة وفي المدونة يوجد زاوية أسبوعية مخصصة لقضايا الأسرى، وأن موضوع الأسرى مغيب في معظم الأوقات عن أجندات العمل والنقاش والصحافة بشكل عام، وكأن الأسرى منسيون، ولذلك من المهم جداً ضمن الفن تحديداً أن نرسل رسالة تحية للأسرى، خاصة أن يوم 17 نيسان يصادف يوم الأسير الفلسطيني". 

يقدم المعرض الآمال والأحلام التي يحملها الأسرى، والممرات الضيقة التي يعبرونها في طريقهم نحو الحرية، كما يعرض التعذيب اليومي الممنهج الذي يتعرضون له، بألوان وأجساد تصيغ وجودها من العتمة التي يفرضها السجان، ويرى المعرض في أعماله ثيمة السجن في الفن كونه مفروضاً لكسر العزيمة في وقت يفرض فيه الأسرى نهجهم المتماسك لصياغة حياتهم داخل المعتقلات، من هذه العلاقة بين الأسير والوقت والأسير الحرية، يعمل المعرض على تحليل قضية سياسية مهمة يصهر فيها الاحتلال عزيمة الشعب الفلسطيني في محاولة منه لاحتوائها. 
 

الصور لرامي ماهر


التركيب بين الخيال والواقع في غرف التوقيف 

إن الزمن في مفهومه المركب يأخذ حيزاً كبيراً من لوحة الفنان الفلسطيني منذر جوابرة الذي اختبر تجربة الاعتقال أثناء عمله في فيلم "اصطياد الأشباح" للمخرج رائد أنطوني الذي عاش فيه منذر جوابرة ما يتعرض له الأسرى من إذلال وتعدًّ يومي، وفهم ما يحدد علاقتهم مع العالم الذي فرض عليهم في المعتقلات، وعرض في لوحته فلسفة الفرنسي باشلار حول مفهوم الزمن واللحظة وعلاقة الزمن ما بين الماضي والحاضر، والزمن المعلق، لذلك اختار خيطان الصوف التي يستخدمها الأسرى الفلسطينيون لتمضية الوقت كأداة للتركيب على اللوحة التي نفذت بألوان الأكريليك على القماش، يقول منذر: "تحكي اللوحة علاقة الزمن الموازي، كيف يحول الأسير وهو داخل السجن الزمنَ من شيء حسي إلى شيء بصري يتعامل معه من خلال خيوط الصوف التي يجدلها ببطء ليمرر من خلالها الوقت الثقيل". 

أما الحلم فيتجلى في اللوحة في الأرجوحة التي يجلس عليها الأسير وهو معصوب العينين، في مكان تمنع فيه الأحلام، يرى حدود تجربته في الحياة التي تنتظره خارج المعتقل، لذلك الأرجوحة التي في الزنزانة هي صورة كبيرة للأسير الحالم غير المكترث بكل الظروف الصعبة التي يفرضها المعتقل عليه، ولديه يقين بالحرية التي يحلم بها يومياً ويعيد هذه العلاقة ما بينه وبين الطفولة التي يبحث عنها والتي صورها في فكرة الأرجوحة، لتكون اللوحة فكرة للتركيب ما بين الخيال الذي يعيشه والواقع الذي يفرض عليه. 

أن نرى ما يراه الأسرى

ذهب الفنان الفلسطيني عاهد إزحيمان في عمله الفوتوغرافي عميقاً لنرى ما يراه الأسرى وهم يبحثون عن الطبيعية الفلسطينية التي حرمهم منها الاحتلال، لقد ركز إزحيمان على إجراء مقابلات مع الأسرى وعلى البحث في ظروف الاعتقال ضمن سيارة "البوسطة" التي غالباً ما تنقل الأسرى من معتقل إلى آخر أو من المحكمة إلى المعتقل، تعتبر "البوسطة" سيارة مصفحة جداً تعتبر سجناً مصغراً يختبر فيها الأسير ظروفاً غير إنسانية بسبب وضعية التكبيل الصعبة التي يجبر فيها الاحتلال الأسير على عدم الحركة، لمدة قد تتراوح من 6 حتى 12 ساعة، ولكن يتحايل فيها الأسرى على مساعدة بعضهم لرؤية الطبيعية الفلسطينية من ثقوب صغيرة في أعلى السيارة، تعتبر الثقوب صغيرة جداً وهي للتنفس ولكن يستخدمها الأسير لرؤية بحر فلسطين لأول مرة في حياته، وبسبب حركة السيارة السريعة وضيق زاوية الرؤية يرى الأسير بالشكل الذي عرضه الفنان عاهد إزحيمان في الصور. 

كما يقول عاهد لـ "رمان": "إن وضع قضية الأسرى الفلسطينيين على الخارطة الثقافية هو أمر مهم جداً، في الضفة الغربية والقدس لا يوجد منزل لا يوجد به أسير، لذلك قضية الأسير جزء لا يتجزأ من من الذاكرة الفلسطينية الجماعية، ووضعهم في الإطار الفني هو أمر مهم، ومن هنا تأتي أهمية هذه المعارض، كونها تضيء على تجارب صعبة يعيشها الأسرى".

التقاطع الجغرافي في فكرة العودة

يطرح الفنان الفلسطيني شادي الزقزوق تجربته مع مفهوم العودة ضمن معرض الأسرى، وكيف انفرض نهج الملعقة كأداة للحرية وتكريس العودة، لأن الشتات المفروض على الشعب الفلسطيني هو جزء من الحرمان الذي يعيشه أغلب المهجرين عن فلسطين، لذلك يطرح شادي فكرة عدم التأقلم من الواقع السياسي والعيش كحيوان الخلد الذي يكسر المكان المفروض عليه من خلال الحفر، الحفر ذاته الذي اختبره الأسرى الفلسطينيين في سجن "جلبوع" عندما كسروا اعتقالهم من خلال الحفر اليومي لنيل حريتهم. 

وحول قضية الأسرى يرى الفنان شادي الزقزوق أن الأسرى يختبرون اليوم مرحلة معقدة يفرضها الاحتلال، ولا يمكن تكريسها إلا من خلال الممارسة والتعبير عن النضال في المواضيع الثقافية والسياسية والاجتماعية، خاصة الإضاءة على عائلات الأسرى الذين يعانون أيضاً ظروفاً تبدو غير منطقية أو طبيعية، ويقول شادي زقزوق: "لا يمكننا أن نجد الكلمات المناسبة، فإن المشاركة في هذا المعرض هي إضاءة مهمة على حياة مهمشة يعيشها الأسرى، والتعامل معها في الفن وتكريس الثقافة التي تعبر عن الواقع الصعب الذي نعيشه هي نقطة مهمة جداً لا يمكننا تجاهلها أبداً".