كتبها مانغويل في لشبونة في 4 تشرين الأول 2024 لنشرها حصرياً في هنا.
"...ما يفعله الطغاة،
الهراء القديم الذي يتحدثون عنه
إلى قبر بارد؛
[...] التنوير الذي وقع إقصاؤه،
الألم الذي تحوّل إلى عادة،
سوء التسيير والحزن:
كل هذا علينا أنْ نعانِيهِ مرّةً أخرى
و.هـ. أودن، "1 سبتمبر 1939"
الحرب الحالية في الشرق الأوسط هي، بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، دائرة مفرغة. من أين تبدأ الدائرة؟ ما هي نقطة الانطلاق؟ قد يجيب نتنياهو بأن الصراع يبدأ مع هجوم حماس الدموي في 7 أكتوبر 2023، الذي قُتل فيه 1195 فردًا من الإسرائيليين والأجانب. وفق حماس، فإنّ الصراع قد بدأ قبل ذلك بكثير، مع قيام دولة إسرائيل عام 1948، عندما تم تهجير 750,000 فلسطيني من أراضيهم لإقامة دولة جديدة. قد يختار المؤرخون أحد هذه التواريخ لمحاولة تفسير هذه الحرب بين الأشقاء. أما اللاهوتيون فقد يعودون إلى زمن أبعد من ذلك، عندما أمر يهوه إبراهيم بالبقاء مع سارة، والدة إسحاق، الذي سينحدر منه العبرانيون، وطرد هاجر وولدها إسماعيل، الذي يُعتبر أبو العرب، وفق المرويّات. يعلمنا الكتاب المقدس أن يهوه، بدءًا من قصة قابيل وهابيل، دائمًا ما يزرع بذور الفتنة بين الإخوة، متجاهلاً النصيحة التي سيقدمها لاحقًا "الفيزكاتشا العجوز" إلى مارتن فييرو: "يجب أن يتحد الإخوة لأنهم إذا تقاتلوا / سيفترسهم من في الخارج". وهذا ما يحدث الآن.
كان اليونانيون على دراية بهذه القصص الدموية الأبديّة. لقطع دوائرها المفرغة (لعنة بيت أترِيوس، على سبيل المثال)، ابتكر اليونانيون فكرة "المدد الغيبيّ". في حالة "الأورستيا"، فإنّ أثينا هي التي تحوّل ربّات الانتقام إلى الإومينيدات الخيّرات، مما يضع حدًا لسلسلة القتل. كان الجمهور اليوناني يطالب بخاتمة تنطوي على حلّ.
لكن في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن حلّ المسائل بمثل هذه الأناقة. تتواجد في المشهد جوقة من أصحاب المصالح الراسخة بلا هوادة لمنع ربّات الانتقام من أن يتحوّلنَ إلى خيّرات، ولإبقاء الصراع مستمرًا. السياسيون الذين تعتمد طموحاتهم على أن يُنظر إليهم كفائزين، وتجار الأسلحة الذين يجمعون الثروات من مبيعاتهم، والمستثمرون الصغار الذين يجنون أرباحًا من هذه التجارة الشائنة، والقوى الأجنبية التي تسعى للحفاظ على مواقعها من خلال ترك الآخرين يمزق الواحد منهم الآخر – كل هؤلاء لا يريدون قطع هذه الحلقة المفرغة. الجشع والطموح (مع الاعتذار عن استخدام هذه الاستعارات المبتذلة) يعتقدان أنهما خالدان ولا يمكن المساس بهما. إنهما لا يريدان أن يفهما أن قانون القصاص، الذي يطالب بـ "العين بالعين"، يؤدي دائمًا، كما قال غاندي، إلى عمى عالمي.
علّق أساف أوريون، عميد سابق في الجيش الإسرائيلي، على الوضع الراهن قائلاً إنه لا يمكننا التنبؤ بنهاية الصراع لأن "نحن لا نزال في منتصف الفيلم". من خلال ما نشاهده، يبدو أن الجمهور لا يراهن على نهاية سعيدة.
أراد يوربيدس أن تأتي الإلهة أثينا بالإومينيدات إلى المدينة لتجذّر الخير في قلب المجتمع المتنازع. وبنفس الهدف، وضع الصوفيون إيمانهم في التجانس الداخلي (والضروري) للعالم. تحدث القبالي إسحاق لوريا عن شرارات معينة من الضوء (نيتسوتسوت) عالقة داخل عقد الشر (كليبوت)، والتي تتحرر من خلال أفعالنا الخيرية (ميتسفوت)، مما ينير الكون الذي أصبح مظلمًا على نحوٍ شيطاني. العقيدة الإسلامية تقول نفس الشيء. "الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"، وهو حديث للنبي محمد. لا يمكن للخير (حسن النية) أن يتحقق في مجتمع متنازع إلا عبر الحوار. وهذا ما لا يريده مهندسو هذه الحرب: إنّهم لا يرغبون في أن يجلس قابيل ويتحدث مع هابيل.
أثينا ليست مجرد إلهة قادرة على تحويل الفيوريس (ربّات الانتقام) إلى كائنات خيّرة. غير مرّة خلال مسيرتها المزدحمة، تتصرف أثينا بنفسها كربّة انتقام شرسة، بلا رحمة أو عطف، لتحثّ على الحرب. في "أياكس"، وهي مسرحية مبكرة لسوفوكليس، تعلن الإلهة لبطلها أوديسيوس أن أياكس، عدوّه، قد تكالبت عليه المصائب. ثم يقدم أوديسيوس إجابة تحول الملك اليوناني فجأة إلى كائن نبيل أكثر بكثير من الربّة المحاربة: "رغم عداوتي له، أشفق عليه وعلى ما آل إليه حاله، فقد تكالبت عليه المصائب. من يدري؟ ربما يصيبني يومًا ما أصابه، فإنني أرى أننا لسنا سوى أطياف ضعيفة رغم أننا لا نزال على قيد الحياة". لا تعرف أثينا كيف تشعر بالتعاطف الذي يشعر به أوديسيوس. مثل حكام اليوم، تفكر الرّبّة فقط بمصطلحات النصر أو الهزيمة، ولا تفكر أبدًا في خلق حوار بين الأعداء المفترضين. في عالمها، في عالم الجشع السياسي، النّصر هو ما يقام له وزنٌ، مهما بدا مستحيلًا أو وهميًا.