رمانة

كان السينمائي: "عميل سري" يحيط الجريمة بالعبث

من الفيلم، معدلة.

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

ليس الفيلم سياسياً في سطحه. هو فيلم تشويق وجريمة ممتاز، أضاف السياقُ السياسي له عبثاً أغنى من الحبكة بنقصانها الدائم على طول الفيلم. هذا تعقيد كتابيّ متقَن، ومغامِر، في الفيلم المزدحم بالانعطافات الصغيرة،

للكاتب/ة

بهذه العبثية يتقدم الفيلم، ولأن الغموض يفوح في أجواء الديكتاتوريات، لمَ هذا اختفى ولمَ ذاك مقتول؟ لا نعرف وكذلك مارسيلو، على طول الفيلم، لمَ هو ملاحَق. رجل أكاديمي، يبدو مسالماً وغير مواجِه،

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

23/05/2025

تصوير: اسماء الغول

سليم البيك

محرر المجلة. روائي وناقد سينمائي فلسطيني

سليم البيك

روائي وناقد فلسطيني، باريس. مؤسس ومحرر «رمان الثقافية». يكتب أسبوعياً في «القدس العربي». له ٧ كتب منها الروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفورية». له «تأملات في الفيلم الفلسطيني»، و«سيرة لسينما الفلسطينيين: محدودية المساحات والشخصيات» الصادر أخيراً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

السينما البرازيلية في حال جيدة أخيراً، من بعد "ما زلت هنا" لفالتر سالس العام الماضي، فيلم ممتاز آخر خرج اليوم، "عميل سري" للبرازيلي كلبير مندوسا فيلو، بفيلم كذلك عن الديكتاتورية قبل نصف قرن في البرازيل. هو إنجاز سينمائي، سرداً وتصويراً. الاعتناء بمفاصله تجاوز المعتادَ في أفلام الجانر، وهو هنا فيلم ملاحقة وجريمة في فضاء سياسي.

الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، استهلّ بمشهد هو الأقوى بموقع الافتتاحي، في عموم المهرجان. مارسيلو ينزل من سيارته الفولكس فاغن بيتل الصفراء، في محطة بنزين ليملأها، في الساحة رجل مقتول مغطى بكرتونة. يسأل عنه فيُقال بأن لا يقلق وأن الرجل ملقى منذ أيام. تصل سيارة شرطة، يفتّش رجلاها سيارته ولا يجدان ما يخالفانه عليه، يبتزانه لرشوة فيمنحهما سجائر ويمضيان. الرجل الملقى، المدمى، مكانه كأنه سيارة معطلة مركونة لا يلتفت إليها أحد. نحن في البرازيل في السبعينيات، في حقبة الديكتاتورية.

بهذه العبثية يتقدم الفيلم، ولأن الغموض يفوح في أجواء الديكتاتوريات، لمَ هذا اختفى ولمَ ذاك مقتول؟ لا نعرف وكذلك مارسيلو، على طول الفيلم، لمَ هو ملاحَق. رجل أكاديمي، يبدو مسالماً وغير مواجِه، يدرك أنه مطلوب فيحاول الخروج من البلاد مع ابنه الذي خبّأه في بيت جدّه لأمه. وتدور الأحداث حول محاولته تفادي الاغتيال في وقت يحاول، كذلك، معرفة سبب ما للاغتيال، تلحقها محاولاته للحصول على جواز سفر للخروج.

الفيلم بتصويره الآسر، وتتالي الحبكات فيه، كما يستلزم فيلمُ ملاحقات وإجرام، امتدّ العبث فيه من مشهده الأول إلى عموم الحبكة، بوصفه، العبث، محرّكاً أول للأحداث، أي الهروب لسبب مجهول، من مجهولين. وفي السياق حكم عسكري ديكتاتوري يعطي تفسيراً منطقياً لحالة العبث المسيطرة على الحبكات التفصيلية المتتالية.

يتنقّل الفيلم (The Secret Agent) بين أزمنة متباعدة، تروي معاً القصة باجتزاء هنا وهناك، لتكون إضافةٌ ما في مشهد ما، ناقصةً، تكملها أخرى في آخر، في زمان سابق أو لاحقا. هي لوحة "بَزِلْ" تكتمل رويداً رويداً وبأصوات مختلفة، متباعدة. الفيلم كلّه يكون بذلك رواية جماعية تلتقي جزئيّاتُها حول قصة فردية هي لمارسيلو، الهارب والمتخفّي الدائم، في ما بدا عالماً أوسع لنظام عسكري لا يكون الهروب من إحدى زواياه إلا إلى زاوية أخرى فيه، في فضائه العبثي والمغلَق.

ليس الفيلم سياسياً في سطحه. هو فيلم تشويق وجريمة ممتاز، أضاف السياقُ السياسي له عبثاً أغنى من الحبكة بنقصانها الدائم على طول الفيلم. هذا تعقيد كتابيّ متقَن، ومغامِر، في الفيلم المزدحم بالانعطافات الصغيرة، في الفيلم المزدحم بالانبهارات التفصيلية، سرداً وصورةً، فالأخيرة، كما في المشهد الافتتاحي، كانت عنصراً سردياً لا يحتاج الكثير من الكلام.

الكاتب: سليم البيك

هوامش

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع