غيوم شيمبورسكا

Wisława Szymborska

عدي الزعبي

كاتب من سوريا

ساعة التحضير لصياح الديكة. ساعة تستعيد الأرض حضنها الدافئ. ساعة التيارات الهوائية الباردة من نجومٍ ميتة. ساعة التساؤل هل-سنختفي-نحن-أيضاً-بدون-أثر.

للكاتب/ة

لن أتعلم البولندية، ولن أصف الغيوم؛ أعرف ذلك جيداً، ولكنني، كلما سنحت الفرصة، سأعود لقراءة أشعارها!

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

21/03/2025

تصوير: اسماء الغول

عدي الزعبي

كاتب من سوريا

عدي الزعبي

وأنا أعود إلى هذه القصائد لترجمتها، عادوني معها حلم قديم: أن أتعلم اللغة البولندية، لأترجم الأعمال الكاملة لشيمبورسكا إلى اللغة العربية. ترافق الحلم، بشكل غامض، ومبهج، وأليم، مع مضمون القصائد: أحلامٌ ورغباتٌ ورؤى لن تتحقق، في عالم يبدو كأنه على وشك الانزلاق إلى العدم، باستمرار. 

وشيمبورسكا شاعرة بولندية، حصلت على جائزة نوبل للآداب سنة 1996، في مفاجأة سارة، لم تنج من مضاعفاتها، تلك المرأة الخجولة المنزوية. شعرها يشتبك مع العالم، ويبدو في نفس الوقت، قصياً عنه. فيه مسحة مرحة من الزهد والتخلي. ليست ميتافيزيقية، أي ليست غارقة في الأفكار الكبرى؛ ولا هي واقعية تماماً، فلا تهجر الفكر لمصلحة الحس. يبدو الأدب، بوجهه الإنساني، العارف بالخسارات، المقبل على المباهج، همها الرئيس. 

لن أتعلم البولندية، ولن أصف الغيوم؛ أعرف ذلك جيداً، ولكنني، كلما سنحت الفرصة، سأعود لقراءة أشعارها!

 

الرابعة فجراً

 

الساعة بين الليل والنهار.

ساعة تقلّب البشر.

ساعة عمر الثلاثين. 

 

ساعة التحضير لصياح الديكة. 

ساعة تستعيد الأرض حضنها الدافئ.

ساعة التيارات الهوائية الباردة من نجومٍ ميتة. 

ساعة التساؤل هل-سنختفي-نحن-أيضاً-بدون-أثر. 

 

ساعة فارغة.

جوفاء. متغطرسة. 

حضيض كل الساعات. 

 

لا أحد يشعر بالراحة في الرابعة صباحاً.

لو شعر النمل بالراحة، فلنبارك

للنمل. ولتأت الساعة الخامسة

كي نستمر بالحياة. 

 

غيوم

 

عليّ أن أسرع

لوصف الغيوم-

ثانيةٌ تمرق

تكفي ليبدؤوا بالتحول إلى شيءٍ آخر. 

 

علامتهم المسجّلة:

لا يكررون إطلاقاً

أي شكل، أو درجة، أو وضع، أو ترتيب. 

 

غير مقيدين بأية ذكرى سابقة

يطفون بسهولة فوق الحقائق. 

 

ما الذي -بحق الله- قد يقفون عليه شاهدين؟

يتبعثرون ما أن يحدث أي شيء. 

 

مقارنةً بالغيوم،

تقف الحياة على أرضٍ صلبة،

عملياً دائمة، تقريباً أبدية. 

 

بعد الغيوم،

يبدو حتى الحجر أخاً،

يمكنك الوثوق به،

أما هم فأبناء عمومة، يطيرون في الأقاصي. 

 

دع الناس يعيشون لو أرادوا،

ثم يموتون، واحداً تلو الآخر:

ببساطة لا تكترث الغيوم

بما نقوم به

هنا في الأسفل. 

 

وهكذا يمخر أسطولُهم المتعجرف

بسلاسة فوق كل حياتك

وحياتي، بدون أن يكتمل. 

 

ليسوا مرغمين على التلاشي بعد غيابنا.

ليسوا مضطرين لأن يُروا في إبحارهم. 

 

أبجد

 

لن أعرف أبداً الآن

ما الذي ظنّه بي أ.

هل سامحني ب في النهاية.

لماذا تظاهر ج بأن كل شيء على ما يرام. 

ما دور د في صمت ه. 

ماذا توقع و، لو توقع شيئاً.

لماذا نسيتْ ز، في حين كانت تعرف ذلك جيداً. 

ما الذي كان على ز إخفاؤه. 

ما الذي أرادت ح إضافته. 

لو كان قربي 

لم يعن شيئاً 

ل ط وي وبقية الأحرف. 

 

لا شيء مجاناً

 

لا شيء مجاناً، كله بالدين.

أنا غارقة في الديون حتى أذنيّ.

يجب أن أدفع بنفسي

عن نفسي،

أتخلى عن حياتي لحياتي. 

 

وهنا ترتيبات العملية:

يمكن إرجاع القلب،

والكبد، أيضاً،

وكل أصابع اليدين والقدمين. 

 

تأخر الوقت على تغيير الشروط،

كل ديوني ستُعاد،

وسيجزّونني،

أو، بالأحرى، سيسلخونني. 

 

أتجوّل حول الكوكب

بصحبة جمع من المدينين الآخرين،

بعضهم ينوء بأن يسلّم

أجنحته ثمناً.

وآخرون، متذمرين،

يجب أن يسددوا عن كل برعم. 

 

كل أنسجتنا 

مسجلة في قائمة الديون. 

لا مجس أو محلاق معرّش

يُسمح بالاحتفاظ به. 

 

تفترض قائمة الجرد،

بدقتها التفصيلية الشاملة،

أننا لن نخرج فقط صفر اليدين،

بل، بلا يدين أيضاً.

 

لا أذكر

متى، وأين، ولماذا،

سمحتُ لأحدهم

أن يفتح لي هذا الحساب.

 

ندعو الاحتجاج على كل هذا

روحاً.

وهي المادة الوحيدة

غير المسجلة في القائمة. 

الكاتب: عدي الزعبي

هوامش

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع