«واهب الحرية» لقيس الزبيدي: سجل أنا مقاوم

من الفيلم، معدلة.

شفيق طبارة

ناقد من لبنان

«واهب الحرية»، يهدف إلى سرد أعمال المقاومة اللبنانية الشعبية ونضالاتها، كلمة بكلمة وبجرعة من الاحتفاء بالنفس. هو اكتشاف شجاع لتعرّج الروح البشرية إلى حالة ثورة ومقاومة دائمة. يدعونا لتحمّل المسؤولية، وإعادة التواصل مع الماضي الثوري والمقاوم، وأخيراً مع ما يعنيه أن يختار أحد الموتَ من أجل التحرر والكفاح والمسلّح.

للكاتب/ة

الفيلم مقاوم بلا اعتذار وأعذار، يوجّه إدانة واضحة ومباشرة للأعمال العسكرية الإسرائيلية في لبنان، ويدين أيضاً من ساعدهم في لبنان من حزب «القوات اللبنانية» وغيره. 

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

07/05/2025

تصوير: اسماء الغول

شفيق طبارة

ناقد من لبنان

شفيق طبارة

ناقد سينمائي، يكتب في عدة صحف ومجلات عربية، يغطي سنويا عدداً من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية. عمل كمدير فني لمهرجان "نورينت" في سويسرا. ويعمل مستشاراً فنياً لعدد من شركات الإنتاج العربية والعالمية. أصبح هذا العام مصوت دولي لجوائز الغولدن غلوب.

يُعتبر فقدان أرشيفات منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982، واختفاء العديد من الأفلام والصور واللقطات اللبنانية والفلسطينية بعد الغزو الإسرائيلي لبيروت مثالاً رئيسياً على التحديات الأرشيفية القاسية التي واجهتها السينما العربية في محاولتها أرشفة الصراع العربي الإسرائيلي والحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والمقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. 

رغم هذه الصعوبات، لا يزال هناك عدد لا بأس به من الأفلام التسجيلية والروائية العربية التي بقيت محفوظة حتى اليوم، ويعمل المهتمون بهذا التاريخ على ترميمها وإعادة عرضها. من بين هذه الأفلام يبرز «واهب الحرية» (1987)، للمخرج والكاتب والمصور والمونتير والناقد قيس الزبيدي (1939-2024). وقد تولى «نادي لكُل الناس» مهمة ترميمه وعرضه في المهرجانات العربية والأوروبية.

يُعدّ قيس الزبيدي أحد أبرز روّاد السينما الوثائقية العربية، وباحثاً في نظرية الفنّ السابع وتاريخ فلسطين في السينما. كان فيلم «واهب الحرية» من بين أعماله الأخيرة. الفيلم الذي أنتجه «أنصار جبهة المقاومة الوطنية»، يعرض مراحل وأعمال المقاومة اللبنانية والفلسطينية المسلّحة والشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان بين عامي 1982 و1985. كما يعرض مراحل تأسيس جبهة المقاومة الوطنية (جمول)، ويتضمن لقاءات وحوارات مع أهالي الشهداء والمقاومين. يستعين الزبيدي بكلّ الوسائل السمعية والبصرية من صور فوتوغرافية نادرة، ومشاهد من أفلام سينمائية، وعناوين جرائد، وأخبار إذاعية، متمازجة مع موسيقى لمارسيل خليفة وزياد الرحباني وسامي حوّاط.

يسافر الوثائقي من بيروت إلى الجبل، وصولاً إلى الجنوب اللبناني، ضمن أجواء وأمزجة مختلفة. يحافظ على الصور والكلمات ويعتني بها، وينشئ صوراً جديدة ويربطها بالموجود، ويرفض اتباع هياكل السرد الخطية أو التقليدية.

 الفيلم مليء بالقطع السريعة والمشاهد المتجاوزة والعواطف المتناقضة. يتناول أسئلة تتعلق بالمقاومة بين الأجيال والمجموعات والأيديولوجيات التي تصبّ في هدف واحد: طرد الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن التاريخ الطويل للتضامن بين فلسطين ولبنان. أسلوب الزبيدي مباشر وحازم، يتجنّب الإثارة، ويختار بدلاً من ذلك نبرة أكثر رصانة وتأملاً، ما يسمح لأصوات المقاومين وعملياتهم وعائلاتهم بأن تكون في مركز الصدارة. 

في «واهب الحرية» لقاءات مع والد الشهيد نزيه القبرصلي، ومواد تسجيلية عن مصطفى سعد ودور «مخيّم عين الحلوة» (جنوب لبنان) في مقاومة الاحتلال. كما نرى قصصاً وعمليات للاستشهادية لولا عبود والاستشهادي جمال ساطي وميشال صليبا، إضافة إلى تفاصيل العمليات في بيروت، ومنها «عملية الويمبي» الشهيرة، و«بسترس» و«محطة أيوب». 

يتكلم عن الشهداء بلال فحص وحسن وأحمد قصير وراغب حرب وسناء محيدلي ووجدي الصايغ وخالد علوان وسهى بشارة. يبدأ الوثائقي من بيروت بعد خروج ياسر عرفات ومقاتلي «منظمة التحرير الفلسطينية»، لينتقل إلى وادي الزينة وبرجا، وصيدا ومعركة الزرارية. 

المساحة الأكبر في الفيلم كانت للمقاتلين الشيوعيين، بينما يذكر أيضاً المقاومين العرب الذين انضموا إلى المقاومة من «حزب البعث»، ومقاومين آخرين من مصر والعراق وسوريا.

وعلى جانب آخر، يعرض الفيلم القوة الفطرية للمرأة في مقاومة الاحتلال من خلال القصص والحياة الفردية والذاتية والشخصية للنساء. فنشاهد في الفيلم مشهداً لصبية من الرقة تُلقي وصيّتها قبل القيام بعمليتها الاستشهادية، والنساء اللواتي يبنين المخيمات بعد قصفها، وقصص ربّات البيوت في المقاومة بالزيت المغلي والحجارة.

«واهب الحرية» من الأفلام التي يُعتبر تأثيرها وأهمية مضمونها في المقاومة السينمائية أحد أسباب إنتاجها في المقام الأول. في قوته البصرية والمفاهيمية، يعرض الفيلم المكان والزمان بشكل دقيق، ويتجلى كمنظار إثنوغرافي مقاومي وسياسي. عرض الزبيدي شكلاً جديداً من أشكال اللغة في السينما العربية التسجيلية، هو فرع من السينما العربية البديلة. 

بعنوان حازم يعكس روح الفيلم، وبصوت الراوي، قدّم الزبيدي وثائقياً تعليمياً مقاوماً عن التاريخ، وصوّر أمّة في تحوّل، بينما نرسم من خلال ما نسمعه وما نراه: تفاصيل العمليات، ونكتشف عبرها الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحربية في البلاد.

وما يجعل «واهب الحرية» ببساطته المرئية والسمعية فيلماً مثيراً للاهتمام هو مهارة المخرج في لغته السينمائية. يعرف الزبيدي تماماً العلاقة الحيوية بين الصور والقصص التي يقدمها؛ ليس هناك فصل بين النمط المرئي والعناصر السردية. «واهب الحرية» لا غنى عنه في ما يتعلق بكفاح اللبنانيين من أجل الحرية ضد الاحتلال الإسرائيلي. يجمع الفيلم بين الأسلوبين الوثائقي والفني، ما ينتج عملاً جذاباً في «السينما الثالثة»، من حقبة ومكان متجاهَلَين تقريباً في السينما العربية.

الفيلم مقاوم بلا اعتذار وأعذار، يوجّه إدانة واضحة ومباشرة للأعمال العسكرية الإسرائيلية في لبنان، ويدين أيضاً من ساعدهم في لبنان من حزب «القوات اللبنانية» وغيره. 

لغة الفيلم المباشرة تجعل المشاهد يشعر بالفورية والإلحاح للموقف. يمثّل الفيلم الشكل النهائي للسينما السياسية، التي لا تتنازل أبداً أو ترضى بأقل من الحقيقة. 

«واهب الحرية»، يهدف إلى سرد أعمال المقاومة اللبنانية الشعبية ونضالاتها، كلمة بكلمة وبجرعة من الاحتفاء بالنفس. هو اكتشاف شجاع لتعرّج الروح البشرية إلى حالة ثورة ومقاومة دائمة. يدعونا لتحمّل المسؤولية، وإعادة التواصل مع الماضي الثوري والمقاوم، وأخيراً مع ما يعنيه أن يختار أحد الموتَ من أجل التحرر والكفاح والمسلّح.

الكاتب: شفيق طبارة

هوامش

موضوعات

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع