كتبها جيمس وود ونشرت في "ذا نيويوركر" في ٩/١٠/٢٠٢٥.
في عام 2011، كتبتُ أنّ قراءة لازلو كراسناهوركاي "تشبه إلى حدّ ما رؤية مجموعة من الناس يقفون في دائرة في ساحة بلدة، يبدون وكأنهم يدفئون أيديهم على نارٍ، لكن ما إن يقترب المرء حتى يكتشف أنه لا توجد نار على الإطلاق، وأنهم مجتمعون حول لا شيء." بالنسبة إلى كثير من القرّاء العاديين، فإن فكرة الدخول إلى عالمٍ روائيٍّ يتأرجح باستمرار على حافة كشفٍ يوشك أن يحدث لكنه يظلّ خفياً، عالمٍ تدور فيه الكلمات بلا توقف حول مرجعها، ويُستعمل فيه السطر الطويل غير المتوقّف كأداةٍ مفضّلة - سطر يمتدّ، لنقل، على أربعمئة صفحة قبل أن يُفرد تماماً - قد تُشكّل، في الواقع... بالضبط نوع الجنون المترنّح الذي كتب عنه كراسناهوركاي بذكاء وتعاطف طيلة سنواتٍ عديدة. وقد تُشكّل ما سمّاه هو نفسه "الواقع المفحوص إلى حدّ الجنون."
في ذلك الوقت، لم يكن متاحاً بالإنجليزية سوى روايتين له: "كآبة المقاومة" و"حرب وحرب"، الصادرتين بالأصل بالهنغارية عامَي 1989 و1999 على التوالي. كان كراسناهوركاي آنذاك ظاهرةً أوروبية، ولا سيما في ألمانيا، حيث كان يعيش، وحيث تُرجمت معظم أعماله. وكان من الشائع هناك سماع وصفه بأنه مرشّح محتمل لجائزة نوبل في المستقبل، لكن مع قلّة ما هو متاح بالإنجليزية، لم تكن تلك الشائعات سوى أحاديث قصور. ومع ذلك، كانت "كآبة المقاومة" تتداول كمنشورٍ سريٍّ مميّز، إذ كانت هنغارية، وتحمل عنواناً بليغاً شجيّاً (يلمح بذكاء إلى أهمية المقاومة واستنفادها المحتوم)، وتضمّ إشادات من ف. غ. زيبالد وسوزان سونتاغ.
وبعيداً عن هاتين الروايتين المترجمتين، كانت هناك لمحات مغرية لأعمالٍ أخرى. فالرواية الأولى لكراسناهوركاي، "تانغو الشيطان" (1985)، لم تكن بعد متاحة بالإنجليزية، لكن كان بالإمكان مشاهدة فيلم بيلا تار ذي السبع ساعات بالعنوان نفسه، المقتبس عنها (وقد كتب كراسناهوركاي سيناريوهاتٍ لستةٍ من أفلام تار). كنتُ قد شاهدتُ ربما ساعتين من "تانغو الشيطان"، لكن حتى صدور الترجمة الإنجليزية للشاعر جورج سيرتيس، لم يكن أمامي سوى تخيّل الجُمل الطويلة الملتفّة الواضحة التي كانت لقطات تار التتبعية الطويلة تبذل جهدها السينمائي لمحاكاتها:
كان الطبيب جالساً عند النافذة مكتئباً، كتفه ملتصق بالحائط البارد الرطب، ولم يكن عليه حتى أن يحرّك رأسه لينظر من خلال الفتحة بين الستارة القذرة ذات الزخارف الزهرية الموروثة عن أمه وإطار النافذة المتعفّن كي يرى الملكية، بل يكفيه أن يرفع عينيه عن كتابه، يلقي نظرة خاطفة ليلحظ أيّ تغييرٍ طفيف، وإذا حدث أحياناً - لنفترض أنه غرق في التفكير تماماً أو ركّز على أبعد نقطةٍ في الملكية - أن تغفل عيناه شيئاً، فإن أذنيه الحادّتين للغاية كانتا تسعفانه على الفور، مع أن ضياعه في التفكير كان نادراً، ونُهوضه من كرسيّه المحشوّ المبطّن بالبطانيات الثقيلة والمغشى بفراء الشتاء النادر كان أندر، إذ كانت موضعية الكرسي محدَّدة بدقة بتراكم خبرته اليومية، بحيث تُقلّل إلى أدنى حدّ ممكن عددَ المرات التي يضطر فيها إلى مغادرة موقع مراقبته عند النافذة.
كان القرّاء الناطقون بالإنجليزية قد بدأوا يتداركون الأمر، إذ انهمر سيل من الأعمال العظيمة بالترجمة مؤكّداً براعة كراسناهوركاي: "سيوبو هناك في الأسفل" (2013)، "عودة البارون فنكهايم" (2019)، وأخيراً "هيرشت 07769" (2024)، وهي ربما أكثر رواياته يسراً للقراءة. (جميع هذه الأعمال الحديثة ترجمتها الكندية المتميزة أوتِّيلي مولزِت بإنجليزية مرنة وانسيابية). كلٌّ منها عملٌ فذّ متفرّد يوسّع أفق الكاتب.
فرواية "عودة البارون فنكهايم" مثلاً تُجسّد مواجهة تراجيدية/كوميدية عبثية بين سكّان بلدة هنغارية صغيرة متهالكة - المحبطين واليمينيين التقليديين - وبين النبيل المهاجر العائد، البارون بيلا فنكهايم، الذي علّقوا عليه آمالهم (غالباً الرجعية). لكن الأرستقراطي العائد ليس سوى رجل منهك خائب، ولن يجد في أبناء بلده المتشاكسين المتناسلين خلاصاً أو ملاذاً. وتُذكّرنا الرواية بمدى طرافة كراسناهوركاي الساخرة. فالإهداء الساخر فيها يقول: "الأبدية... ستدوم ما دامت تدوم."
ومع ذلك، فإن هاتين الروايتين المبكّرتين اللتين قرأتهما عام 2011 تؤسسان، بطريقةٍ ما، المناخ الفريد للأعمال اللاحقة: سياسة المدن الصغيرة المتقلقلة في هنغاريا وألمانيا الشرقية السابقة (القوميون، النيونازيون، المحافظون على النظام والتقاليد)، وإحساسٌ مقلق بنهايةٍ وشيكة، سياسية ومجردة في آن، وحبّ كراسناهوركاي لشخصياته الهَوَسِيّة الرؤيوية والمجانين المقدّسين (خبيرٌ عالميّ في الطحالب، أمينُ أرشيفٍ يظنّ أنه اكتشف مخطوطة منسية ويسافر إلى نيويورك ليُخبر العالم عنها، عازف بيانو مهووس بضبط النغمة المعتدلة للآلة).
ورغم المظاهر - تلك الجُمل الدوّامية، والتأمّل المحموم - فليس في أعمال كراسناهوركاي القديمة والجديدة شيءٌ منغلق أو غامض. فهي تواجه مباشرة واقع أوروبا المعاصرة ومخاطره، بما فيها الديناميات المعذّبة للاستيطان والحركة والهوية.
أما القرّاء الجدد فيمكنهم ربما أن يجدوا أفضل مدخلٍ إلى هذا العالم في روايته الأخيرة "هيرشت 07769"، عن رجلٍ يفوق الواقع حجماً لكنه، بطريقته الخاصة، عاديّ تماماً: فلوريان هيرشت، الذي يعيش في بلدة صغيرة في تورينغن، بألمانيا الشرقية السابقة، ووظيفته إزالة الكتابات المشوّهة عن المباني العامة. يشبه هيرشت مزيجاً ملهِماً لكن مشوّشاً من هرزوج لسول بيلو، وڤرتهايمر لتوماس برنارد، وهانتا، الراوي المنعزل في رواية بوهوميل هرابال "صخب الوحدة المفرط" (1976)، الذي يعمل على كبس نفايات الورق والكتب القديمة.
يستحوذ على هيرشت هاجسٌ بأن تراكم المادة المضادة سيؤدي إلى تدمير العالم، ويقرّر أن الشخص الأنسب للإجابة عن قلقه هو المستشارة الألمانية (والفيزيائية الكيميائية الكمّية سابقاً) أنغيلا ميركل. فيبدأ بكتابة رسائل طويلة إليها، لا تجد أيّ جواب، موقَّعة باسمه ورمزه البريدي: هيرشت 07769.
نال بيلو جائزة نوبل عام 1976، وكان ينبغي أن ينالها برنارد وهرابال، لكن الأكاديمية أنصفت أخيراً كراسناهوركاي. فليجلب له هذا الفوز قرّاءً كُثراً. أما بالنسبة إلى أولئك الذين دخلوا من قبل المنطقة الغريبة الرائعة لعالمه الروائي، فإن خبر فوزه بجائزة نوبل للآداب هذا العام لا يفاجئ كثيراً، بل يبدو شيئاً عادلاً ببساطة، ككأسٍ مستحقّ بعد يومٍ طويل من العمل الشاق.
